﴿يَا صَاحِبَيِ (١) السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ﴾:
والمراد بصاحبي السجن الفتيان اللذان دخلا السجن معاقبين معه: وناداهما بعنوان الصحبة له في السجن لأن السجن مدار الأشجان، ودار الأحزان، التي تصفو فيها مودة نزلاته فلهذا ناداهما بعنوان الصحبة له، ليقبلا عليه ويقبلا منه ما ينصحهما به.
والمعنى: يا رفيقي اللذين رافقاني وصحباني في السجن أخبرانى: أَأرباب شتى متفرقون لا ارتباط بينهم ولا اتفاق، خير لهذا الكون، أم الله المنفرد بالألوهية والخلق والإيجاد.
الغالب لكل ما في السموات والأرض، فلا يتعاصى عليه مقدور فيهما، ولا يمتنع عليه أَن يخلق غيرهما، فكيف يعبد المشركون سواه، مع أنه مخلوق لله، ولا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا.
وبعد أن نبه يوسف صاحبي السجن إلى فساد تعدد الأرباب، بين لهما سقوط منزلتها وفقدان أهليتها للربوبية فقال لهما. كما يحكيه الله تعالى:
٤٠ - ﴿مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ﴾:
الخطاب في قوله ﴿مَا تَعْبُدُونَ﴾ لصاحبي السجن وقومهما، ولذا قال بعد ذلك ﴿سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ﴾ بخطاب الجماعة أو المراد بالجمع ما فوق الواحد: ثم عطف عليهم آباءَهم.
والمعنى: ما تعبدون يا قوم عزيز مصر إلا أسماء ليس لها مسميات في الحقيقة فكل ما عبدتموه وأطلقتم اسم الألوهية عليه لا يستحق الألوهية، وتكون عبادتكم لتلك التي زعمتموها آلهة، عبادة اسماء ليس لها مسميات في الواقع.
﴿مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ﴾:
أي ما أَنزل الله بألوهيتها من حجة تصحح ألوهيتها وتسوغ عبادتها.
﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ﴾: ما الحكم في الألوهية وغيرها إلا لله سبحانه، والله لم يحكم بها لأحد سواه، لأنه لا إله غيره، ولا يستحق الألوهية سواه فكل ما عداه عبده ومحتاج إِليه، فلهذا ﴿أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ﴾: وعقب هذا بقوله ﴿ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ﴾.
(١) أصله يا صاحبين لى في السجن فأضيف الصاحبان إلى السجن الذي هو ظرف لهما وموضع لصحبتهما، ومن هذا الاستعمال قول العربي: يا سارق الليلة أهل الدار: أي يا سارقا في هذه الليلة أهل الدار.