أي يأيها الرؤساءُ من الكهنة والحكماء فسروا لى رؤياى، وبينوا لى حكمها ومآلها، إن كنتم لجنس الرؤيا تعرفون تفسيرها، حتى تستطيعوا أن تنتقلوا من الصور الرمزية المشاهدة في المنام، إلى صور وأمثلة لها في حقائق الحياة، وعَبْرُ الرؤيا مأخوذ من العبور وهو المجاوزة، تقول عبرت النهر أي قطعته وجاوزته، وكذلك يفعل مفسر الرؤيا، فإنه يعبر بها من الخيال إِلى الحقيقة، أما تأويلها فمعناه بيان مآلها في ظاهر الحياة، وعبر الرؤيا وتعبيرها بمعنى واحد، غير أن الأول لغة القرآن، فهو أَولى من الثاني، وبعد أَن سأَلهم إفتاءه في رؤياه إن كانوا يستطيعون عبر الأحلام أظهروا عجزهم، وذلك ما يحكيه الله تعالى بقوله:
أي قال الملأ من الكهان والحكماء: هذه الرؤيا أخلاط أحلام كأضغاث النبات المختلطة، فلا تأويل لها عندنا، يريدون بذلك أن يخرجوا رؤيا الملك من جنس الرؤى الصادقة التي يمكن تأويلها لأهل العلم، وأن يجعلوها من جنس الأحلام الكاذبة، التي لا يستطاع تأويلها، ولهذا قالوا: ﴿وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ﴾ ويجوز أَن يكون هذا القول منهم اعترافًا بقصور علمهم عن تأويل الأحلام مطلقًا لأنهم ليسوا بنحارير (١) - كما قال أَبو السعود - وإِطلاق الأحلام على الكاذب منها والرؤى على الصادق منها عرف غالب، وإِن كان كلاهما عامًا في الصادق والكاذب، ولهذا قالوا أخلاط أَحلام، يريدون أنها ليست من الأحلام الواضحة التي يمكن تأويلها ويصدق مدلولها وقد سوى صاحب القاموس بينهما بقوله: الحلم بالضم وبضمتين الرؤيا.
(١) أي ليسوا علماء متعمقين في تأويل الأحلام مع أن لها تأويلا.