وقال: ائتوني بيوسف، فلما جاءه الرسول يدعوه إلى لقاء الملك لم يشأ أن يجيبه إلى طلبه قبل أن تظهر براءته، بل قال له: ارجع إلى سيدك فاسأله ما حال النسوة الآتي قطعن أيديهن ودعونه إلى الفاحشة، يريد بذلك أن يحقق الملك في شأنهن معه ليعل نزاهته مما نسبته إليه من مراودته إياهن.
وإِنما لم يتعرض يوسف لامرأة العزيز مع أنها أصل البلاء، محافظة على حقها، وتفاديًا لمكرها، وأما النسوة فقد كان يطمع في شهادتهن بإقرارها بأنها راودته عن نفسه فاستعصم، لذلك اقتصر على وصفهن بتقطيع الأيدى، ولم يصرح بمراودتهن له وقولهن أطع مولاتك، واكتفى بالإيماء إلى ذلك بقوله:
﴿إنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ﴾: مجاملة لهن. واحترازًا من خصومتهن له دفاعًا عن أنفسهن، إذا سمعن أنه ينسبهن إلى الفساد.
قال الملك لما جاء الرسول بطلب يوسف أن يحقق مع النسوة: ما شأنكن حين راودتن يوسف وخادعْتُنَّه عن نفسه بترغيبه في إِطاعة مولاته هل وجدتن فيه من سوء وريبة.
أي قلن مجيبات للملك: ﴿حَاشَ لِلَّهِ﴾ أي تنزيها لله. يردن بذلك تبرئة يوسف والاعتراف بنظافته وعفته، ولذا عقبن هذه العبارة بما أردته منها وهو قولهن:
﴿مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ﴾: مبالغة منهن في نزاهة يوسف عن جنس السوء. فضلا عن الفحشاء.
﴿قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ﴾: مقرة بالحق في مجلس التحقيق.
﴿الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ﴾: أي الآن في هذا المجلس تبين الحق ووضح بعد خفاء، أنا راودته عن نفْسِهِ.
﴿وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ﴾: في تنزيه نفسه عن مراودته لى عن نفسي، وهكذا يحق الله - تعالى - الحق على روؤس الأشهاد، إظهارًا لكرامة الصادقين من عباده، وبذلك تحقق ليوسف ما أراده من ظهور براءته ونزاهته قبل خروجه من السجن في هذا المجلس الحافل،