كان بنو يعقوب فيهم جمال وكانوا أحد عشر متجانسين تجانس الكواكب، وقد تجملوا في هذه المرة أَكثر من المرة الأَولى بعد أَن أَدركوا كرامتهم على العزيز من إعطائهم الطعام في المرة السابقة دون مقابل ورده بضاعتهم عليهم، ولهذا كله خَافَ عليهم أَبوهم العين إِن دخلوا مصر من باب واحد وهم على هذا النمط الفريد. وبخاصة في زمن المجاعة حيث الناس في شدة، وكانت المدن في الزمان السابق يحيط بها أَسوار لحمايتها من الأعداءِ، وفي هذه الأَسوار أَبواب للدخول والخروج منها، فلهذا أوصاهم أَبوهم أن لا يدخلوا مصر من باب. واحد بل من أبواب متفرقة.
قال العلامة أَبو السعود: وإصابة العين بتقدير العزيز الحكيم ليست مما يُنْكر، وقد ورد عن النبي ﷺ قوله:"إِنَّ الْعَيْنَ حَقٌّ" وقوله: "إِن الْعَيْنَ لَتُدْخِل الرَّجُلَ الْقَبْرَ وَالْجَمَلَ الْقِدْرَ " وقد كان ﷺ يُعَوّذ الحسنين ﵄ بقوله: (أَعُوذُ بِكَلِماتِ اللهِ التَّامَّةِ مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّة وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لَامةٍ) وكان ﷺ يقول: "كان أَبوكما يُعَوِّذُ بهَا إِسماعيل وإِسحاق ﵈". رواه البخاري في صحيحه، وقد شهدت بذلك التجارب. أهـ.
والمعنى؛ وقال يعقوب لبنيه بعد أَن حلفوا له: لا تدخلوا مصر من باب واحد ولكن ادخلوها من أَبواب متفرقة بحيث لا يبدو لكم اجتماع حتى تسلموا من حسد الحاسدين ولست أُغنى عنكم بحذرى هذا من قضاءِ الله من شئٍ وإِنما هو نوع من التدبير، وأما ترتيب المنفعة عليه هو إِلى الله العزيز القدير، كما أَنه استعان باللهِ وهرب منه إِليه، وقال يعقوب أيضًا ما الحكم في أمر الخلائق جميعًا إِلا لله وحده، عليه دون سواه توكلت واعتمدت، وعليه فليتوكل المتوكلون، فإِنه مفزع كل خائف، ومجيب كل سائل، ومعاذ كل مستعيذ.
وفي الآية الكريمة هداية يعقوب لأَولاده، وإرشادهم إِلى التوكل على الله فيما هم بصدده غير معتمدين كل الاعتماد على ما وصاهم به من التدبير.