عن أَنفسهم هذه التهمة سألوهم عن حكم سارقه في شريعتهم إِن ظهر كذبهم.
﴿قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ في رَحْلِهِ﴾ فبحث يوسف في أَوعيتهم قبل وعاءِ شقيقه بنيامين، ثم استخرجه من وعائه. وبهذه الحيلة استطاع إِبقاء أَخيه معه وهم لا يشعرون أَن هذه القصة مصنوعة لتحقق هذا الغرض، وجاءَت هذه الآية وما بعدها لبيان الأحداث التي تلت ذلك، والمعنى: قال إِخوة يوسف غير الأَشقاءِ إِن يسرق بنيامين فقد سرق أَخ شقيق له من قبله، يقولون ذلك تبرئة لأَنفسهم من وصمة السرقة، مُدَّعين أَن خلق السرقة في بنيامين قد سبقه إِليه أخ شقيق أَكبر منه - يعنون يوسف ﵇ وأَنهم برآءُ من هذا الخلق لأَن الأَم مختلفة ومَا دَرَوْا أَن - يوسف الذي اتهموه زُورًا يسمع كلامهم ويعرف أَنهم كاذبون.
واختلف فيما نسبوه إِلى يوسف، ومن أَظهر ما قيل فيه ما أَخرجه ابن مَرْدَوَيْه عن ابن عباس عن النبي ﷺ أَنه قال في الآية:"سرق يوسف ﵇ صنما لجده أَبي أُمه من ذهب وفضة، فكسره وأَلقاه على الطريق، فعيره إِخوته بذلك" ويرى الحسن أَنهم كذبوا على يوسف فيما نسبوه إليه، ولعله لا تنافى بين هذا وما روى عن ابن عباس إن صح فإِن من أَخذ الصنم لكي يحطمه لا يعتبر سارقا شرعا، فيكون وصفهم له بالسرقة كذبا؛ لأنه مخالف للشرائع، ويكونون بذلك كاذبين على يوسف.
أَي فأَخفى يوسف في نفسه هذه الفرية التي افتروها عليه، ولم يظهرها لهم أَنها فرية، كتمانا لأَمره حتى يفاجئوا في نهاية القصة بما آل إِليه أَمره في الملك فيندموا على ما فرط منهم في حقه. ولكن قال في نفسه عنهم: أَنتم أَسوأُ مني منزلة في السرقة، وأقوى في الأَتصافِ بهذا الوصف حيث سرقتمونى من أَبي وأَلقيتمونى في الجب ولولا رحمة ربي لكنت من الهالكين، أَما أَنا فلم أَسرق ولكننى حطمت الصنم وأَلقيته على الطريق.