وهذا يفيد: أن الإسلام الذي يدين به، هو ما ليس فيه الشرك الذي تردى فيه اليهود والنصارى والوثنيون.
ويجب أن يُعرف أن دين إبراهيم، ليس مطابقًا للإسلام في فروع الشريعة، بل في أُصولها وأُصول العقائد.
فإن كل دين، جاءت فيه فروع تناسب الأمة التي كلفت بها.
وقد كان دين إبراهيم يسيرًا في شرائعه وأحكامه، إذ جاءَ في صحائف، ولم يأت في كتاب كبير، كالإسلام واليهودية والنصرانية.
وقد امتاز الإسلام بأنه تناول كل فروع الحياة، وأعطاها الأحكام المناسبة لها، فكان - لذلك - صالحًا لكل زمان ومكان.
وقد طلب إبراهيم وإسماعيل ﵉ من ربهما أن يجعل من ذريتهما جماعة مسلمة له - تعالى - ولم يعمما الذرية، لما وقر في نفسيهما، من أن بعضهم سيكونون كفارًا، لما عرفاه من طبائع البشر، وسيرهم على هواهم، وتنكرهم لشرائع رسلهم.
وخصَّا ذريتهما بالدعاءِ، لأنهم أحق بالشفقة، والدعاء لهم بالصلاح مطلوب شرعًا. ومعنى ﴿وَتُبْ عَلَيْنَا﴾: وفقنا للتوبة أو تقبل توبتنا.
والتوبة في حق الأنبياء تكون من ترك ما هو الأولى، أو من خطأ في الاجتهاد. وعلى هذا نحمل التوبة التي يسأل الأَنبياءُ والمرسلون قبولها.
ولعل في ذكر هذه الجملة هنا بعد قوله: ﴿وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا﴾ إرشادًا إلى أن تلك المواضع، أمكنه التخلص من الذنوب، وطلب التوبة مما فات منها.
والغرض من قولهما: ﴿إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾ التوسل إلى قبول توبتهما، بما عُرف من شأنه - تعالى - وهو: أنه كثير التوبة على عباده، رحيم بهم.
وقد واصل إبراهيم وإسماعيل دعواتهما فقالا: ﴿رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ﴾ أي في ذريتهما ﴿رَسُولًا مِنْهُمْ﴾ وقد استجاب الله دعاءهما فبعث محمدًا ﷺ.
والرسول - في عرف المتكلمين - إنسان ذكر، حُر، أُوحي إليه بشرع وأُمِر بتبليغه. فإن لم يؤمر بتبليغه كان نبيًا فقط، وليس برسول.
وسأل إبراهيم وإسماعيل أن يكون الرسول من الأُمة ليكون أَدعى إلى الاستجابة، لمعرفتهم بحاله - في نشأته - وبلسانه.
وسرُ الجمع بين الأمور الأربعة الواردة في قوله تعالى: ﴿رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾