(إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ): معزَّزًا مُكرَّمًا. إِلى عرش الملك والسيادة.
(وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ) حيث كنتم تعيشون في شظف البادية وخشونة العيش، واضطراب الأَمن -إِلى الحضر- حيث تعيشون في رغد واستقرار آمنين.
قال الزمخشرى: كانوا أَهل عَمَدٍ (١) وأَصحاب مواش يتنقلون في الحياة والمناجع: اهـ
وفي الآية إِشارة إِلى تفضيل الحضارة على البداوة ولم يذكر ﵇ خروجه من الجب لئلا يُخجل إِخوته بعد أَن قال لهم:"لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُم". ثم أَتم حديثه لأَبيه قائلًا:
(مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي): أي وقد أَحسن بي ربي وأَنعم على بهذه النعم من بعد ما أَفسد الشيطان بيني وبين إِخوتى، حيث أَتلف عاطفة الأَخوة وقطع مودة القربي، فأَنت ترى من حديث يوسف ﵇ أَنه جعل الإِغراءَ بالشر والقطيعة مشتركًا بين الشيطان وبين إِخوته فتقع تبعته عليه وعليهم، ليخفف بذلك شعورهم بالندم على ما اقترفوه في حقه، وهذا من كمال أَدبه وتواضعه وكرمه.
ثم أَشار إلى لطف الله وتدبيره له حتى بلَّغه هذه المنزلة فقال:
(إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ): أَي لطيف التدبير لما يشاؤه. حتى يجيءَ على وجه الحكمة والصواب، فإِذا أَراد أَمرًا هيأَ له أَسبابه وقدَّره ويسره، وإِن كان في غاية البعد عما يخطر بالبال.
وهل كان يخطر بالبال أَن الإِلقاء في الجب يفضى إِلى السجن وأَن السجن يفضى إلى العزة والملك؟!