للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

إِن الإِنسان لينظر إلى السماء وما فيها من نجوم وكواكب فيأْخذه الإِعجاب بِسُمُوّها وعظمتها وجمالها واتساعها وإبداعها، القرآن يذكرنا بأَن الله وحده هو الذي رفع هذه السماوات في آفاقها السامية الفسيحة بغير ارتكاز على عمد مرئية، ولكن الله يمسكها في أَفلاكها، ويدفعها في مداراتها طبقًا لسنن كونية ثابتة أَبدعتها قدرته سبحانه.

فقال جل شأْنه: "إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ" (١) وقال تعالى: "وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ" (٢)

(ثُمَّ استَوَى عَلَى الْعَرْشِ):

المراد من الاستواءِ هنا الاستيلاءُ والسيطرة؛ ومنه قول الشاعر:

استوى بشر على العراق من … غير سيف ودم مهراق

العرش هنا كناية عن الملك والسلطان، المعنى أَنه تعالى هيمن وسيطر على ملك السماوات بعد أَن رفعها بغير عمد، فلم يدع فيها لأَحد غيره سيطرة عليها ولا تدبيرًا لشئٍ فيها، فكما كان له الأمر فيها حين تقديرها خلقًا وإِبداعًا فله الأَمر والسلطان فيها بعد ذلك حفظًا وتدبيرًا، لا يشاركه في ذلك كله شريك (أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (٣)

ومن العلماءِ من فسر العرش بأَنه شئٌ عظيم لا يعلم كنهه غير الله، مع تنزيهه جل وعلا من الجلوس عليه، فإنه تعالى يستحيل عليه المكان وكل ما خطر ببالك فالله تعالى بخلاف ذلك، فإِذا عرفت أَنه تعالى لا أَول لوجوده، وأَنه سبحانه كان ولا شئَ معه، وأَنه أَوجد العرش واستحدثه بعد أن لم يكن، عرفت أَنه ليس بحاجة إلى عرش يجلس عليه كما يفعل الملوك، فالعرش على تسليم أَنه جرم عظيم، خلقه الله لمصلحة ملكوته، وقد استند أَصحاب هذا الرأْى إِلى أَحاديث منها ما ذكره البيهقي وأَخرجه الآجرى وأَبو حاتم البستى عن النبي : "مَا السَّمَوَاتُ السَّبْعُ مَعَ الكُرْسِىّ إِلا كَحَلقَةٍ مُلْقَاةٍ فِى أَرْض فَلاة،


(١) سورة فاطر، الآية: ٤١
(٢) سورة الحج، الآية: ٦٥
(٣) سورة الأعراف، من الآية: ٥٤