للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

اضطرابها وزلزالها، قال تعالى: "أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا، وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا" (١). ومن آيات الله الكونية التي أَشارت الآية إليها تكوين الأَنهار من الأَمطار التي تهطل على سفوح الجبال، فتشق طريقها فوق سطح الأَرض ممتدة مئات أَو آلاف الأَميال، ليرتوى منها عالم الإِنسان وعالم الحيوان وعالم النبات.

"وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْن":

أَي وجعل الله في الأَرض من كل أَنواع الثمرات فردين متزاوجين، أَحدهما ذكرُ والآخر أَنثى، والذكر قد يكون منفصلًا عن الأَنثى كالنخل، وقد يكونان في شجرة واحدة كشجرة الذرة، وهنا يتجلى الإِعجاز العلمى في القرآن الكريم، فما كان العرب يعلمون أَن في كل نبات أَعضاءً للتذكير وأُخرى للتأْنيث، يتم بينهما التلاقح فتثمر أَطيب الثمرات، ما كانوا يعلمون ذلك إِلا في نبات واحد هو النخل، ولكن القرآن أَنبأَنا منذ أَربعة عشر قرنًا بما اهتدى إِليه العلم الحديث في العصر الحاضر "سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ" (٢).

(يُغْشِى اللَّيْلَ النَّهَارَ):

أَي يجعل الليل يغطى ضوءَ النهار ويكسوه بظلامه ليستريح الناس من متاعبهم في النهار ويدركوا رحمة ربِّهم بهم وقدرته على هذا الكون العجيب، واكتفى بتغشية الليل النهار مع تحقق عكسه لأَنه معلوم، وتتابع الليل والنهار نعمة منَّ الله بها على خلقه ليتسنى لهم الكسب في ضوءِ النهار والراحة تحت أَسدال الظلام.

(إِنَّ فِى ذَلِكَ لآياتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَرُونَ): إِن في هذه الآيات الكونية العديدة في السماوات والأَرض لعلامات وبراهين دالة على وحدانية الله وقدرته وعظمته، يدركها من استعملوا عقولهم وتركوا تقليد أَهل الجهالة في جهالتهم، فمن شاءَ الهداية فأَمامه آيات الله المنزلة وآياته الكونية، وكلتاهما تدعو إِلى الإيمان العميق "فَبِأَىِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللهِ وَآيَاتِهِ يؤْمِنُونَ" (٣)


(١) سورة النبأ الآيتان ٦، ٧
(٢) سورة يس، الآية ٣٦
(٣) سورة الجاثية، من الآية ٦