للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وَهُو أعْلَمُ بِهمْ كَيفَ تَرَكتم عِبَادِى؟ فَيَقُولُونَ آتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلونَ وَتَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلونَ".

أخرجه البخاري في كتاب مواقيت الصلاة. باب فضل صلاة العصر.

وبعد أَن ذكر إِحاطة علمه بالعباد وأَن لهم معقبات يحفظونه من أَمره، نبَّه على أَن النجاة في لزوم الطاعة والوبال في اختيار المعصية فقال -جل شأْنه-:

(إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ):

أَي جرت السنَّةُ الإِلهيةَ بأَنه تعالى لا يبدل ما بقومٍ من نعمةٍ وعافيةٍ وأَمنٍ ودعةٍ حتى يتركوا ما تعودوه واتصفوا به من عمل صالحٍ وخلق قويم متجهين إلى أَضداها، لأنهم بذلك قد أَهملوا الفطرة التي فطر الله الناس عليها، وحينئذ يستحقون الحرمان من النعمة وقد يضم إِليه إِنزال العذاب بهم إِن عظمت ذنوبهم وقد يصاب به الصالحون الذين يعيشون بينهم، وذلك على سبيل الابتلاءِ لا على سيبل العقاب. كما قال الرسول ردًا على من سأَله. "أنَهْلِكُ وفينا الصالحون؟ قال: نعم. إِذا كَثُرَ الخبثُ (١) ".

وقد يشتركون في استحقاق العقوبة، لتراخيهم في الأَمر بالمعرف والنهي عن المنكر، قال : "إذا رأوا الظالم ولم يأَخذوا على يديه يوشك أَن يعمهم الله بعقاب (٢) ". ويصح أَن يكون المعنى: إِن الله لا يغير ما بقوم من العقاب والبلاءِ حتى يغيروا ما بأَنفسهم من المعاصي، ليكون أَهلا لعفوه ورحمته.

(وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا):

أَي وإِذا شاءَ الله بقوم بلاءً من مرض أَو فقر أَو هزيمة أَو عذاب أَو غير ذلك مما يسوءُ ويؤلم.

(فَلَا مَرَدَّ لَهُ):

أَي فلا دافع لبلائه على اختلاف أَنواعه، وَقيل إِذا أَراد الله بقوم سوءًا أَعمى أَبصارهم وبصائرهم فاختاروا ما فيه هلاكهم، وعملوه بأَنفسهم فيستحيل لذلك رده عنهم.


(١) الخبث: الفسق والفجور.
(٢) معنى ذلك أَن المصائب قد تنزل بشوْم ذنوب الآخرين.