للإِجابة كما هو أَهل للدعاءِ. أَما الذين يدعونهم من دونه من الشركاءِ، فإِنهم لا يجيبون دعاءَ من دعاهم بشيءٍ فهم ليسوا أَهلًا للإِجابة، كما أَنهم ليسوا أَهلا للدعاءِ.
وكيف يستجيبُون لهم وهم صمّ بكم عُمىٌ فلا يسمعون ولا ينطقون ولا يبصرون، وكل من يتوقع من هذه الأَصنام الاستجابة وتحقيق أَي أَمل يرجوه ما هو إِلا (كَبَاسِطِ كَفيهِ إلَى الْماءَ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هوَ بِبَالِغِهِ): فكما أَن من بسط كفيه إِلى الماءِ يدعوه أَن يرتفع إِلى فمِهِ فلا يستجيب له فكذلك من بسط كفيه إِلى الأَصنام يدعوها لتحقيق أَمل له لا تستجيب دعاءَه.
(وَمَا هوَ بِبَالِغِهِ): أَي لا يصل الماءُ إِلى فمه أَبدا إِن دعاه وبسط كفيه إِليه، لأَنه جماد لا يشعر بظَمئه، ولا بِبَسْطِ الكفين إِليه وهم يدعوه أَن يصل إِلى فمه، ولا يستطيع بنفسه سلوك السبيل إِليه، فكذلك الآلهة لأنها لا تملك لنفسها نفعا ولا ضرًّا، فإنها عاجزة فكيف تملك الاستجابة للذين يدعونها، ولذلك كان دعاؤُهم لها كما يقول جل شأْنه:
(وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلاَّ في ضَلَالٍ):
أَي أَن دعاءَهم إِلى ضياع وخسار لأَنها غير أَهل للدعاءِ ولا للإِجابة، فكيف يعبدها المشركون، وهى غير أَهل للدعاءَ فضلا عن العبادة، وقد ضرب الله الماءَ مثلا رائعا ليأْس الكافرين من استجابة الأَصنام إِليهم، ويذكر القرطبى في معناه ثلاثة أَوجه:
الأَول: أَن الذي يدعو إِلها غير الله كالظمآن الذي يدعو الماءَ إِلي فيه من بعيد يريد تناوله ولا يقدر عليه بلسانه، ويشير إِليه بيديه فلا يأْتيه أَبدًا لأَن الماء لا يستجيب وما الماءُ ببالغ إِليه، قاله مجاهد.
الثاني: أَنه كالظمآن الذي يرى خياله في الماءِ وقد بسط كفه فيه ليبلغ فاه وما هو ببالغه لكذب ظنه وفساد توهمه، قاله ابن عباس.
الثالث: أَنه كباسط كفيه إِلى الماءِ ليقبض عليه فلا يجمد في كفيه شئٌ منه اهـ.
والوجه الذي ذكرناه أَوضح من هذا كله والله تعالى أَعلم.