عقل له ولا إِرادة والتعبير بِمَنْ وهي للعقلاء لتغليبهم على غيرهم، وجميع هؤُلاءِ يسجدون لله (طَوْعًا وَكَرْهًا): فانقياد المؤْمن يقع منه اختيارًا طائعا لأَنه خاضع لله بظاهره وباطنه وانقياد الكافر يقع منه اضطرارا، فإِنه خاضع لله في تربيتهِ ورزقه، وصحته ومرضه وغير ذلك. فمشيئته تعالى ماضية فيه. (وَظِلَالُهُم بِالْغُدُوِّ وَاْلآصَالِ): أَي تنقاد لله كذلك ظلال من له ظل منهم فهى تحت سلطانه ومشيئته في الامتداد والتقلص والرجوع والزوال. خاضعة له منقادة لإِرادته بالغدو والآصال. لأَن ظلال الأَشياءِ تظهر في هذين الوقتين وتتضح حركتها زيادة ونقصا وميلا من ناحية إِلى أَخرى بتصريف الله. إِذ الحركة والسكون بيده تعالى، والمتحرك والساكن في قبضته.
أَمر الله ﷾ نبيه صلوات الله عليه أَن يبين للمشركين طريق الهداية بمحاورتهم سائلًا ومجيبًا، ليلفت أَنظارهم إلى البحث والتأَمل فقال له: قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ): أَي قل يا محمَّد لأُولئك. الكفار الذين اتخذوا الشركاءَ لله والأَولياءَ من دونه: مَن ربُّ هذه الأَجرام العظيمة التي ترونها فيبهركم ما فيهما من دقة وكمال وجمال؟ ثم أَمره أَن يذكر لهم الجواب فقال:(قُلِ اللَّهُ): للإِيذان بأَنه جواب متعين إِذْ لا جواب سواه، ولهذا فالسائل والمجيب في تقريره سواءٌ، وَفِى ذلك إِشعار لهم بمخالفتهم لما علموه مما لا يصح إِخفاؤه بدليل قوله تعالى:"وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ": ثم أَمره أَن يبين لهم خطأَهم الفاضح فيما سلكوه بجانبه تعالى فقال:
أَي قل لهم تبكيتًا وتقريعًا أبعد أَن علمتم أَنه رب السماوات والأَرض الذي ينقاد لسلطانه وتقديره كل من فيهما، أَبعد أَن علمتم هذا عميت قلوبكم فاتخذتم من دونه تعالى