كان يكفي في جوابهم أن يقولوا نعبد الله، ولكنهم أطنبوا وأسهبوا: اغتباطًا وتمسكًا بالحق، وإيذانًا بأنه عقيدة مشتركة بين الأنبياء الثلاثة كما هو عقيدته، وليس أمرًا مخترعًا، بل هو حقيقة الاتباع لإبراهيم وذريته، وذكروا إسماعيل - عم يعقوب - في جملة آبائه تجوزًا، وقدموه على أبيهم إسحاق لأنه أسَنُّ منه، وذكروا ﴿إِلَهًا وَاحِدًا﴾: للتأكيد، وللتلذذ بالإقرار بالوحدانية، وأكدوا أيضًا، واستمتعوا بقولهم: ﴿وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ أي: مستمرون في عبادته، والتمسك بدين الإسلام.
١٣٤ - ﴿تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ … ﴾
﴿تِلْكَ﴾: إشارة إلى إبراهيم وأبنائه الأنبياء، وأُنثت لتأنيث الخبر وهو (أُمَّةٌ).
(خَلَتْ): مضت وانقضت. والأُمَّة: الجماعة يجمعهم أمر واحد، نحو الموطن أو اللغة.
﴿لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ﴾، الكسب: العمل لإصابة ما فيه نفع. لفظ مقدر يقتضيه المعنى - والتقدير: لها جزاءُ ما كسبت، ولكم جزاءُ ما كسبتم.
وحاصل المعنى: تلك جماعة من الأنبياء لها جزاءُ ما كسبت من التوحيد والإسلام لله، ولكم جزاءُ ما كسبتم من الكفر والمعاصي.
﴿وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ أي: لا يقع لكم سؤال عن أعمالهم. بل عن أعمالكم أنفسكم. فلا تنفعكم أعمالهم الصالحة وأنتم على نقيضها، وإن كنتم من ذرياتهم، فمن أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه. فاستقيموا على الإسلام الذي دعاكم إليه رسوله محمد. كما استقام أنبياؤكم عليه، فإن أباكم إبراهيم وَصَّى به بنيه فقال: ﴿وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾.