في استهزاءِ الكافرين بك فإِن ذلك أَمر مطرد يلقاه رسلنا من أَقوامهم، فأَمهلت أَولئك المستهزئين لعملهم يثوبون إِلى رشدهم، ثم أَخذتهم بعقابى حين لم ينفعهم الإِمهال، وكان عقابى لهم هائلا، حيث لم يبق من الكافرين ديارٌ.
والمقصود من الاستفهام في قوله تعالى:"فَكَيْفَ كَانَ عِقَاب" التَّعَجِيب من شدة العقاب وفظاعته.
هذا الاستفهام مترتب على بما سبق بيانه، من أَن الأَمر كله لله وأَنه يهدى من يشاءُ ويخذل من يشاءُ من أَهل الضلال، وأَنه يملى للكافرين ثم يأْخذهم بذنوبهم إِلى غير ذلك بما تقدم.
والمعنى: أَفمن كان شأْنه ما تقدم من هيمنته على كل نفس يعلم سرها ونجواها، ويجزيها بما كسبت من خير أَو شر. أَفمن كان كذلك يشبه الأَصنام التي ليس لها عليهم من سبيل وقد جعلوها له شركاءَ مع ضعفها وعدم فائدتها، ثم أَمر الله رسوله أَن يبكتهم فقال:(قُلْ سَمُّوهُمْ): أَي قل لهم أَيها الرسول تأْنيبًا وتقريعًا: اذكروا لي أَسماءَهم وأَوصافهم التي جعلتهم في نظركم يستحقون العبادة مع الله، ولن يجدوا لهم من الأَوصاف ما يستحقون به شيئًا من التكريم فضلا عن العبادة.
أَي بل أَتخبرون الله بشركاء زاعمين استحقاقها للعبادة وهو لا يعلمها في أَرضه، مع أَنه سبحانه لا تغيب عن علمه ذرة في الأَرض ولا في السماء، بل أَتخبرونه عن ألوهيتها ظاهر من القول من غير أَن يكون لها حقيقة ولا دليل، كتسمية القبيح وَسيمًا والزنجى كافورا.
(بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ): بل زين الشيطان لهؤلاءِ المشركين باطلهم وصدهم عن سبيل الحق.
(وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ): ومن يتخل الله عن معونته بسبب إِصراره على الكفر فليس له من هاد يوصله إلِى الحق، وينجيه من عاقبة ضلاله.