للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

١٥ - (وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ):

أي لجأَ الرسل إِلى ربهم وسأَلوه الفتح والنصر على عدوهم، فاستجاب الله لرسله ونصرهم ظفروا وأَفلحوا، وخسر أَعداؤهم وهلكوا، جزاءَ تكبرهم وعنادهم.

والتعبير بقوله تعالى: "كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ"، بدلا من التعبير بقوله: وخابوا لِذَمِّهِمْ وتسجيل التجبر والعناد عليهم، وواضح على هذا المعنى أَن الضمير في قوله تعالى: "وَاسْتَفْتَحُوا" للرسل وحدهم كما قال ابن عباس ومجاهد وقتادة.

وقيل إِن الضمير للمكذبين وحدَهم، وكأَنهم لما قوى تكذيبهم وأَذاهم للرسل ولم يُعاجَلُوا بالعقوبة، ظنوا أَنهم على الحق، وأَن ما جاءَت به الرسل باطل، فاستفتسحوا على الرسل واستنصروا عليهم، أَو استفتحوا على أَنفسهم، على سبيل التهكم والاستهزاءِ، كقول قوم نوح: "قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ" (١) وقول قوم شعيب: "فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ" (٢) وقول المشركين من قريش: "وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ" (٣).

وقيل: إِن الضمير للرسل ولمكذبيهم، أَي أَنهم جميعًا سأَلوا الله تعالى أَن ينصر المحق ويهلك المبطل، وقد نصر الله رسله والمؤْمنين "فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ" (٤).

١٦ - (مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ):

بينت الآية السابقة ما لقى مكذبو الرسل ومعاندوهم من الهزيمة والهلاك في هذه الدار، وتبين هذه الآية وما بعدها ما يلقاه كل منهم من أَنواع العذاب وأَلوانه في دار القرار.

والمعنى: مِنْ خَلْف كُلِّ جبارٍ معاند للرسل جهنمُ تستقبله عقب انتهاءِ حياته في الدنيا.


(١) هود: ٣٢
(٢) الشعراء: ١٨٧
(٣) الأنفال: ٣٢
(٤) الأَنعام: الآية ٤٥