للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

(قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللهُ لَهَدَيْنَاكُمْ):

أَي قال المستكبرون جوابًا عن تقريع الضعفاءِ وتوبيخهم واعتذارًا عما فعلوا بهم: لو هدانا الله إِلى الِإيمان ووفقنا له لهديناكم، ولكن لم يوفقنا، فضلَلَنا وأَضللناكم، أَي اخترنا لكم ما اخترناه لأَنفسنا، أَو لو هدانا الله إِلى طريق النجاة من العذاب لهديناكم ودفعنا عنكم، لكن سُدَّ دُوننا طريق الخلاص، وحقت كلمة العذاب على الكافرين ..

والمقصود من قول المستكبرين للمستضعفين: (سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا): مُبالغتهم في النهي عن التوبيخ، بإِعلامهم أَنهم شركاءُ لهم فيما ابتُلُوا به وتسلية لهم؛ أَي سيان علينا الجزعُ بما نحن فيه من العذاب والصبرُ عليه.

والهمزة في قوله: "أجزعنا" للستوية بين جزعهم وصبرهم، كما في قوله تعالى:

﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ (١).

(مَا لَناَ مِن مَّحِيصٍ): أَي ليس لنا على الحالين مَهْرَبٌ ولا خلاص من عذاب الله. وهذه الجملة لتقرير ما قالوه وتأْكيده، أَي أَنهم لا مناص لهم البته بما هم فيه.

ويجوز أَن يكون هذا من قول المستكبرين والمستضفين جميعًا، يسلِّى بعضهم بعضًا، ويتأَسى بعضهم ببعض. ولكن الأَمر كما قال تعالى: "وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ" (٢). والظاهر أَن تكون في النار بعد دخولهم فيها، كما قال تعالى: "وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ. قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ" (٣).


(١) سورة البقرة: الآية ٦
(٢) سورة الزخرف: الآية ٣٩
(٣) سورة غافر: الآية ٤٧، ٤٨.