فالمراد بالكلمة الطيبة هي شهادة أَلا إِله إِلا الله التي هي الأَساس الأَول للإِسلام وهذا ما أَخرجه البيهقى وغيره عن ابن عباس.
وعن الأَصَمِّ أَنها القرآن الكريم، فإِنه أَصل يتفرع عليه كل خير في الدنيا والآخرة، وقد شبهها الله تبارك تعالى بالشجرة الطيبة، والمراد بها عند جمهور المفسرين النخلة، وبه أَخذ ابن عباس وابن مسعود، ويؤيد ما رواه الشيخان وغيرها عن عبد الله بن عمر ﵄، قال: كنت عند النبي ﷺ فَأُتِى بجُمَّار فأَكل منه وقال: إِن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها، وإِنها مَثَلُ المسلم، فحدثونى ما هي؟ فوقع الناس في شجر البوادى،
قال عبد الله: ووقع في نفسى أَنها النخلة فأردت أَن أَقول هي النخلة، فإِذا أَنا أصغر القوم -وكنت عاشر عشرة أنَا أَحْدثُهمْ ورأَيت أَبا بكر وعمر لا يتكلمان، فكرهت أَن أتكلم واستحييت: ثُم قالوا: حدثنا ما هى يا رسول الله؟ قال: هي النخلة، قال عبد الله: فحدثت أَبي بما وقع في نفسى فقال: لأَن تكون قُلتها أحبُّ إِلَّى من كذا كذا. وعند ابن حبان في صحيحه: أَحسبه قال: من حُمْر النَّعم. والإِبل الحمراءُ كانت أَحب أَموال العرب إِليهم وأنْفَسها.
وقيل: هي كل شجرة مثمرة طيبة الثمار والمنظر والرائحة. وقيل غير ذلك. وأَرجح هذه الأَقوال أَولها وهو كونها النخلة، ووجه تشبيه الكلمة الطيبة بالنخلة أَن أَصل تلك الكلمة وهو الإِيمان ثابت في قلب المؤمن كثبوت جذور النخلة في الأَرض، وأَن ما يتفرع منها ويبنى عليها من الأَعمال الصالحة والأَفعال الزكية يرفع إِلى السماءَ، ويصعد إِلى الله تعالى، كما قال جل شأْنه:(إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ)(١). وأَن ما يترتب على ذلك من ثواب الله تعالى ورضاه دائم دوام ثمرها، والانتفاع بها في كل وقت، فإِن ثمر النخيل يؤكل أَبدا: ليلا ونهارا صيفًا وشتاءً، فيؤكل منها الجمار والبلح، والبسر والرطب والتمر، وكل نتاجها خير وبركة من بعد أَن تغرس إِلى أَن تجف وتيبس، بل بعد أَن تقطع قطعا تُسْتَعْمل في مصالح الناس ومرافقهم، ولن ترى شيئا منها مهملا أَبدا، وكم من الناس يقيمون في بيوت تعتمد على جذوع النخل وجريده، ويعيشون على التمر كما