والمعني: ولا تحسبنَّ أَيها الرسول أَنه تعالى في إِمهالهم وتأْخير عذابهم غافل عما يعمل الظالمون، فإِنه سبحانه لا تخفى عليه منهم خافية.
أَو لا تحسبن الله يترك عقابهم لِلطْفِهِ وكرمه. بل هو معاقبهم على القليل والكثير.
وعن ابن عُيَيْنَةَ أَن هذا تسلية للمظوم وتهديد للظالم، وروى نحو هذا عن ميمون بن مهران.
والمراد بالظالمين على هذا جنس الظالمين وأَهل مكة داخلون في الحكم دخولا أَوليا.
(إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ): هذا النص الكريم استئناف وقع تعليلا للنهى السابق وهو: "وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ". وإِيقاع التأْخير عليهم مع أَن المؤَخر عقابهم لتهويل الخطب وتفظيع الحال، ببيان أَنهم متوجهون إِلى العذاب موقوفون عليه رغما عنهم، وللدلالة على أَن حقهم من العذاب هو الاستئصال فلا يبقى منهم في الوجود عين ولا أَثر، وهذا التأْخير ليوم هائل لا تغمض فيه أَبصار أَهل الموقف لهول ما يرونه في ذلك اليوم من شدائد، بل تبقى مفتوحة لا تتحرك أَجفانها ولا حَدَقاتها، قال ابن عباس: تشخص أَبصار الخلائق يومئذ لشدة الحيرة، أَي تبقى مفتوحة لا تطرف.
٤٣ - (مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ … ): هؤُلاءِ الظالمون يقبلون على الداعى يوم القيامة مسرعين إِليه تتعلق به أَبصارهم لا تتحول عنه ولا يطرفون هيبة وخوفا.
(مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ): أَي رافعيها مع إِدامة النظر إِلى ما بين أَيديهم.
(لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ): أَي لا يرجع إِليهم لينظروا إِلى أَنفسهم فضلا عن النظر إِلى شيءٍ آخر. بل يبقون كل مبهوتين حائرين.
(وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ): أَي قلوبهم خاوية خالية ليس فيها فهم ولا عقل، لفرط الحيرة والدهشة، كقولك في البيت الذي ليس فيه شيءٌ إِنماِ هو هواءٌ. وهذا المعنى قاله ابن عباس وغيره ويجوز أَن يكون المراد أَن عقولهم خرجت رعبا وهلعا كأَنها هواءٌ.