بين الله في الآية السابقة، أَن الكفار حين يقاسون أَشد العذاب يوم القيامة يتمنون أَن لو كانوا مسلمين في الدنيا ليتخلصوا من عذابهم الذي كتب عليهم الخلود فيه بسبب كفرهم، وجاءَت هذه الآية تأمر النبي ﷺ أَن يتركهم فيما هم فيه من متاع الحياة الدنيا الفانية، وإِعراضهم عن العمل للآخرة، فسوف يعلمون عاقبة كفرهم وعدم مبالاتهم مما دعوتهم إِليه من الحق المبين.
والمعنى: اتركهم أَيها الرسول في غيهم، ولا تبال بإِصرارهم على الكفر، فلا سبيل إلى انتفاعم بنصحك بعد ما بذلت فيه خالص جهدك، اتركهم يأْكلوا ما يشاءُون بدون وعي كما تأْكل البهائم، ويتمتعوا بدنياهم بغير حدود كما شاءَ لهم هواهم، ويشغلهم عن الآخرة أمَلُهم في طول الأَعمار، ونيْلِهم الأَوطار، واستقامة الأَحوال، في الدنيا ويوم المآل، فسوف يعلمون وخامة عاقبهم في أُولاهم وأُخراهم وأَشد مرض تصاب به القلوب طول الأَمل، ومتى تمكن من القلب فَسد مزاجُه، وعزَّ دواؤُه، وصعب علاجه، ويئس من برئه حكماؤُه. وانتهى أَمر صاحبه إِلى الشقاء، قال رسول الله ﷺ:"أربعة من الشقاء. جمودُ العين، وقساوةُ القلبِ، وطول الأَمل، والحرصُ على الدنيا". وقال ﷺ:"نجا أَول هذه الأُمة باليقين والزهد، ويهلك آخرها بالبخل والأمل". وقال الحسن: ما أَطال عبدٌ الأَمل إِلا أَساءَ العمل.