والحكمة في اختيار طريق نفي الغفلة لإثبات عدم الترك: أن نفي نقيص الصفة أبلغ في إثباتها من الإثبات نفسه، لأنه يستلزم إثبات الصفة إلى جانب نفي النقيض، لأن في المقام للتهديد والوعيد.
والمعنى: أن الله مُحصٍ أعمالكم، محيط بها، لا تخفى عليه خافية. ولن يترك أُموركم دون عقوبة، وبخاصة إذا كانت بالغة السوء، ككتمان ما أنزل الله.
الأمة المشار إليها في الآية: إبراهيم وأبناؤه الرسل وقد وردت هذه الآية آنفًا: في ختام دحض مزاعم ومفتريات أهل الكتاب، وتكررت هنا، للمبالغة في تحذيرهم من تركهم لدين الإسلام الذي كُلفوا به، وادعائهم أنهم على دين آبائهم الأنبياء.
وكأن الآية تقول لهم: إن أمامكم دينًا دُعيتم إلى اتباعه، واقترنت دعوته بالحجة الواضحة. فانظروا في دلائل صحته وسمو حكمته، ولا تردوه بمجرد دعوى: أن آباءكم الأنبياء السابقين، كانوا على ما أنتم عليه الآن، فإن دعواكم هذه لا تفيد، ولو فرضنا تَسْلِيمَهَا لكم، فإن الشرائع تختلف باختلاف الأمم، فتلك أُمة مضت. لها عملها وفق شريعتها، وهذه أُمة أخرى: لها عملها حسب شريعتها، ولا تُسأَلون عن أعمال آبائكم وشريعتهم، بل عن أعمالكم أنتم، وفق شريعتكم التي شرعها الله لكم. وهي الإسلام، فلا تتمسكوا بشريعة كانت لمن قبلكم، بل تمسكوا بشريعة الإسلام التي نسخها، وقام الدليل على صحتها، وقد تعبدكم الله بها.