للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ} -أَما هذا القول- فهو بعيد أيضًا لأنهم وإن ذكروا فى هذه السورة بعنوان أصحاب الحجر فى الآية رقم ٨٠ لكنهم لم يجعلوا القرآن عضين فإنهم لا علم لهم به لتقدمهم على نزوله فضلا عن أن المقام لا يسمح بإرادتهم. وكيف تتصل هذه الآية وما بعدها بقصتهم وبينهما تسع آيات، وفي أفصح الكلام، إن هذا لجد بعيد.

[ما ترتبط به هذه الآيات ومعناها]

قد مرَّ بك أيها القاريء الكريم أننا اخترنا الرأيين الأولين فى تفسير معنى المقتسمين لاتفاقهما على أنهم من أهل مكة. وهذا يناسب كون السورة مكية وترتبط تلك الآيات الأربع بقوله تعالى قبلها مباشرة: {وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ} والمعنى على هذا:

وقل أيها الرسول للناس: إني أنا المنذر لمن خالف ربه وكفر به وعصاه، المبين لهم ما أُنذروه كالإنذار الذي ننزله بشأن المقتسمين من أهل مكة الذين جعلوا القرآن أجزاء وفرقوه أوصافًا. فتارة يسمونه سحرًا وأخرى يزعمونه شعرًا وحينا يدَّعون أنه كهانة. وأخرى يفترون أنه أساطير الأولين. وهذا الإنذار الذي ننزله بشأنهم ونبينه لهم هو قولنا لك تسلية. ولهم وعيدًا وتهديدًا: فوحق ربك الذي أحاطك بحمايته ورباك بنعمته وشرفك برسالته لنسألنهم أجمعين عما كانوا في دنياهم يعملون من كفر وتكذيب وإعراض وافتراء {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ} (١) فيحاسبهم أدَق حساب ويعاقبهم أشد عقاب. فليس الأمر كما يزعمون إذ يقولون: {إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ} (٢). وعبر بالماضى بقوله: {كَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ}، مع أنه تعالى لم ينزل فى الماضي بشأنهم قوله: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٩٢) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} وإنَّما أنزله وقتما أمر النبي بقوله له: {وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ} الآيات. -وعبر بالماضي في قوله: {أَنْزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ} - لأن المحقق إنزاله في المستقبل في حكم الذي نزل فعلا. ولأن نزوله سابق في علم الله وقضائه.


(١) سورة إبراهيم الآية (٤٢).
(٢) سورة الأنعام الآية (٢٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>