قبلك لا من قبلنا، إِذ لولا تعرضك لما نتصدى له لما اعتراك ما يسوءُك؛ وكانوا يتعرضون لكل أَحد من الغرباء بالسوءِ، فكان ﵇ ينهاهم عن ذلك بقدر وسعه وكانوا ينهونه جاهدين أَن يضيف أَحدًا أَو يُجيره.
ولما رآهم ﵇ مصرين على مُنكرِهم لا يقلعون عنه، وأَن نصحه ذهب هباءً:
يعني ببناته نساءَ قومه، فإِن نبى كل أُمة بمنزلة أَبيهم؛ أَو يعني بناته حقيقة، أَي فتزوجوهن وقد كانوا يطلبونهن فلا يجيبهم لخبثهم وعدم كفاءَتهم، لا لعدم مشروعية الزواج بين المسلمات والكفار؛ فإِنه كان جائزًا كما هو مبين في المطولات.
وقوله:(إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ): أَي إِن كنتم راغبين في قضاءِ الشهوة فاقضوها بالطريق المشروع الذي أَحله الله وهو الزواج؛ فإنه أَطهر لكم وأَكرم. دون الطريق الخبيث المحرم، أَو إن كنتم فاعلين ما أَشرت به عليكم من التزوج، فهؤُلاء بناتى فتزوجوا منهن.
وكان مجئُ هؤلاءِ المجرمين إِلى منزل لوط ﵇ وما دار بينه وبينهم، من نصحه لهم ومجادلتهم له -كان مجيئهم هذا قبل أَن تُعلمه الملائكة بأَنهم رسل ربه، ويأَمروه بأَن يسرِىَ بأَهله، على ما تقدم بيانه في سورة هود في قوله تعالى:"وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا"(١) إِلى قوله عز سلطانه: "قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ".
وإِنما أُخِّر ذكر مجيئهم هنا وما تبعه من المجادلة، وقُدم عليه ذكر ما كان بينه وبين الرسل من المقاولة -على خلاف الترتيب الواقعى- للمسارعة إِلى ذكر بشارة لوط ﵇ بإِهلاك قومه وتنجية آله عقب ذكر بشارة إِبراهيم ﵇ بهما. ولم يراع في النظم الكريم الترتيب الواقعى، ثقةً بمراعاته في مواقع أُخر. والواو للعطف، ولكنها لا تقتضى الترتيب، ولا سيما إِذا دل الدليل على خلافه.