وما بينهما ذلك الخلق البديع المحكم، إِلا بالحق وهوأَن يعبدوه وحده ولا يشركوا به شيئا، فلما جحدوا آياته، وأَشركوا به، وكذبوا رسله، وعثوا في الأَرض فسادا - قضت عدالته وحكمته بأَن يهلكهم ويهلك أَمثالهم، دفعًا لفسادهم، وتطهيرًا للأَرض من شرورهم، وإِرشادًا لمن بقى إِلى الصلاح والإِصلاح. حذرًا من أَن يصيبهم مثل ما أَصابهم.
هذا جزاؤُهم في الدنيا، وقد أَشارت إِليه الجمله الأُلى من الآية الكريمة، وأَما جزاؤهم في الآخرة فموعدهم فيه الساعة؛ وإليه تشير الجملة الثانية من الآية، وهى قوله:
(وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ): لا ريب فيها؛ فينتقم الله لرسله، جزاءَ ما كُذِّبوا وأُوذوا.
هذا، وفي تلك القصص وما ختمت به تسلية كريمة للنبي ﷺ، فإِنه صلوات الله وسلامه عليه، إِذا سمع من ربه أَن الأُمم السابقة كانوا يعاملون أَنبياءَهم هذه المعاملة القاسية، هان عليه تحمل سفاهة قومه وأَذاهم، وسهل عليه أَن يعفوَ عنهم عفوًا كريما لا لوم فيه ولا تثريب، وهذا هوالصفح الجميل الذي أَمره الله به إِذ قال:
(فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ): كما روى عن على وابن عباس ﵃ في تفسير الصفح الجميل، وفي أَمره ﷺ بالصفح الجميل إِشارة كريمة إِلى تركهم لله تعالى، وأَن يتذرع بالصبر الجميل، حتى يأْتي وعد الله وما قضاه في شأْنهم في الدنيا والآخرة، وأَن يصفح عنهم فلا يحمل نفسه ما لا يطيق من الضيق بكفرهم، ولا تذهب نفسه عليهم حسرات.
ثم كرر سبحانه هذا المعنى وزاده توكيدًا فقال:
٨٦ - (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ):
أَي إِن الله الذي رباك بنعمه، وتولاك بفضله وكرمه هوالخلاق لك ولهم، العليم بأَحوالك وأَحوالهم، وبما جرى بينك وبينهم، فخليق بك أَن تكل الأُمور إِليه، فهوالحكم العدل الذي يجازيك على حسناتك ويجازيهم على سيئاتهم، وقد علمت أَن الصفح الجميل