مما حرمنا كما تقول الرسل وينقلونه من جهته تعالى، لكان الأمر وفق مشيئته من التوحيد ونفى الإشراك وتحليل ما أحله وعدم تحريم شيء مما حرمنا، وحيث لم يتحقق هذا. ثبت أنه جل شأنه لم يشأ شيئًا مما ذكر. بل شاء ما نحن عليه، وتحقق أن ما تقوله الرسل هو من تلقاء أنفسهم. فرد عليهم سبحانه بقوله:
﴿كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾: أي سئل هذا التكذيب والاستهزاء الشنيع بالرسل وادعاء أن شركهم رضيه الله وشاءه لهم - مثل ذلك كله اقترفه الذين سبقوهم من الأمم المسابقة. فأشركوا بالله، وحرموا ما أحله، وجادلوا رسلهم بالباطل، ليدحضوا به الحق، وأعرضوا عما يدعونهم إليه استخفافًا بهم فأهلكوا.
وقد أنكر الله عليهم مجابهتهم للرسل، وتماديهم في عنادهم، وبين أن المرسلين ليسوا مسئولين عن كفرهم بعد أن بلغوهم شريعة ربهم بوضوح وإخلاص فقال سبحانه:
﴿فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ﴾: أي ليس من شأنهم إلا تبليغ الرسالة تبليغا واضحًا. لإظهار طريق الحق وإبانة أحكام الوحى: بما ينبئ أن مشيئته جل شأنه. إنما تتعلق بهداية من صرف قدرته واختياره إلى تحقيق الحق، وفعل الطاعة لقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾ (١).
وهي تتعلق كذلك بإشراك الذين اتجهوا إلى اقتراف الشرك والعصيان، وفق علمه تعالى بطبيعتهم ومباشرتهم الاختيارية لما عملوا. فالله سبحانه إنما شاء شركهم لأنه علم أزلا أنهم لا يؤمنون باختيارهم وسوء تصرفهم، وأما إلجاؤهم إلى الإيمان. فليس ذلك من وظيفة الرسل التي بعثوا بها إلى أممهم، ولا من الحكمة التي يدور عليها التكليف. لأن شأنهم تبليغ الأوامر والنواهي لا تحقيق مضمونها وإجراء موجبها على الناس قسْرًا والجاءً، وإنما المسئولية على الكفار أنفسهم، ولا تنفعهم معاذيرهم الواهنة، ومنها قولهم إنما أشركوا بمشيئة ربهم، فإنه تعالى يقول: ﴿وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ﴾.