ابتغاء كشفه عنكم، فكيف تشركون معه شركاءكم في العبادة، وليس لها في نفعكم ودفع الضر عنكم من سبيل؟ ثم نعى الله عليهم عودتهم إِلى الشرك بعد أَن كشف الضرَّ عنهم فقال سبحانه:
أي ثم إذا كشف الله الضر عنكم بعد تضرعكم واستغاثتكم، إذا جماعة منكم يشركون بربهم أصنامهم في العبادة، مع أنها لا دخل لها في نفعهم ودفع الضر عنهم.
والخطاب في قوله:"وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمة" وقوله: "إذَا كَشَفَ الضرَّ عَنكُمْ" الآيتين، إن كان للمشركين كما هو الظاهر فلفظ "مِن" في قوله: ﴿إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ﴾ لبيان أن الفريق الكافر هو كلهم، فكأنه قيل: إذا فريق كافرٌ هُمْ أنتم، وأَجاز بعض المفسرين أن يكون مِنْهم منِ اعتبر وازدجر، فتكون "مِنْ" على هذا الرأى للتبعيض، كما في قوله تعالى: ﴿فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾. (١)
أما إن جُعل الخطاب في الآيتين للناس كافة، فالكافرون بنعمه وفضله بعضهم لا كلهم فتكون "مِن" في قوله: ﴿إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ﴾ للتبعيض لا للبيان ثم بين الله عاقبة إِشراكهم فقال:
أي أَن فريقًا منهم يشركون باللهِ في العبادة مع توالى نِعَمِهِ عليهم ودفع نِقمِهِ عنهم، لتكون عاقبةُ شركهم وأثرُه أن يكفروا بما آتاهم من النعم، وَيُنكِرُوا كونها منه دون غيره، ثم أنذرهم الله وهددَهُم بسوء المصير فقال:
﴿فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾:
أَي فاستمتعوا بما أنتم فيه من نعم كفرتم بها ولم تشكروها، فسوف تعلمون عاجلًا أَو آجلًا عاقبة أَمركم وما ينزل بكم من العذاب جزاءَ شرككم وكفرانكم.
(١) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: في المطبوع (مقتصد) بدلا من (مهتد)