ولعل مما يساعد على إِرادة العموم ما جاءَ في صحيح مسلم عن عبد الله بن عمر قال:"سمعت رسول الله ﷺ يقول: "إذا أراد الله بقومٍ عذابا أصاب العقاب من كان فِيهِمْ ثُمَّ بُعثُوا علَى نِياتهِمْ" وقولُه تعالى: ﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً﴾.
وبعد أن بيَّن الله شؤم المعصية وما تجره على أهل الأَرض من الآثار عقب ذلك ببيان رحمته بعباده فقال:
﴿وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾:
أَي ولكن يؤَخر إِهلاكهم إلى أجل عيّنهُ لذلك لعلهم يطيعون ربهم وينجون من عذابه، فإِنه تعالي خلقهم ليعبدوه وهداهم بالآيات والرسل إِلى طريق معرفته وطاعته، فلا عذر لهم في عصيانه.
ثم بين أَن أجلهم آتٍ لا ريب فيه ولا تغيير له بتقديم أَو تأخير، لعلهم يسارعون في التوبة فقال: ﴿فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ﴾: أي فإذا جاءَ الوقت المحدد لموتهم لا يتأخرون عنه أقل وقتٍ ولا يتقدمون.
فإن قيل: إن وقت إِهلاكهم إذا جاء لا يتصور تقدمهم عنه، فلماذا قيل: ﴿وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ﴾ فالجواب أن ذكره للمبالغة في بيان عدم تأَخره بنظمه في سلك ما يمتنع تنْبيهًا على أنه مثله في الامتناع. كما في قوله تعالى: ﴿وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ﴾ فإِن من مات كافرا معلوم بالضرورة أنه لا تقبل توبتُه بعد موته، وليس بحاجة إلى التصريح به، ولكنه ذكر مع من لا تقبل توبته عند الغرغرة ومشارفة الموت للإِيذان بأَنهما سواء في عدم قبول التوبة، لأَنها حدثت منه بعد يأسه من الحياة، فكان مِثْل من مات كافرًا في أَنه لا توبة له.