نجحا ولا يصيب خيرا، أَما ثانيهما: فرجل عاقل له رأى، سليم الحواس ينفع نفسه وغيره يأمر الناس بالإنصاف والعدل، وهو على منهج قويم وسيرة صالحة هل يستويان؟ وإذا كانا لا يستويان ولا يتشابهان فكيف يسوى المشركون الصنم الأصم الأبكم العاجز عن كل شيء بالله القادر الذي يفيض على عباده الكثير من آثار رحمته ونعمته، ويأمرهم بالعدل في توحيده وطاعته وفي أمرهم كله، وهو فيما يدعوهم إِليه على طريق مستقيم موصل إلى خيري الدنيا والآخرة.
بعد أن بين الله تعالى عن طريق ضرب المثل استحالة أَن يستحق العبادة غير الواحد الأحد جاءَ بهذه الآية لتدل على كمال علمه وعظيم قدرته وبعيد حكمته.
والمعنى: ولله وحده ما غاب في السماوات والأرض وخفى فيهما على خلقه، لهُ ذلك خلقا وملكا وعلما وتصرفا، ولا سبيل لغيره في شيءٍ من ذلك.
﴿وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ﴾: أي وما الشأن في سرعة مجيء الساعة التي يقوم فيها الناس لرب العالمين إِلا كرجع الطرف بإطباق الجفن، فإنه تعالى لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء. ونحوه قوله: ﴿وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ﴾ أَي أن قيام الساعة وبعث الخلق للحساب والجزاء في السرعة كطرف العين، وقوله: ﴿أَوْ هُوَ أَقْرَبُ﴾: ليس للشك بل لتخيير الْمُمثِّل في التمثيل به أو بالذى قبله، وكلاهما كناية عن بالغ السرعة وقيل: إن المعنى بل هو أَقرب عند الله في الحقيقة. وإنما خص الساعة بالذكر من بين علوم الغيب التي لا تحصى لكثرة المماراة والمجادلة فيها وتكذيب الأمم رسلها في إِخبارهم بها: ولذا ختم - سبحانه - الكلام عنها بما يثبت قدرته وأنه تعالى - لا يمتنع عليه شيء أَراده فقال:
﴿إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾: فلا يعجزه أمر الساعة، وبعث الأَجساد بعد موتها، كما لا يعجزه شيء سواد.