أو بالاستزادة من كل ما يحقق للطاعة مراتب الكمال، ويجوز أن يراد به الإحسان إلى الناس والتفضل عليهم، وأَسْمى درجاته على هذا المعنى، الإحسان إِلى المسيء مع التمكن منه والقدرة عليه، وقد أَمر بذلك نبينا ﷺ، ومن الحكم المنسوبة إلى عيسى ﵇ قوله:"إنَّمَا الْإحْسَانُ أنْ تُحْسنَ إلَى مَن أسَاء إِلَيْكَ. لَيْسَ الْإحْسَانُ أَنْ تحْسِنَ إلَى مَنْ أحْسَنَ إلَيك" أَخرجه ابن أبي حاتم عن الشعبى.
ثم يأمر سبحانه بصلة الأقارب حفاظًا على روابط الدم والنسب فيقول:
﴿وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى﴾: أي أنه يأمر بصلة ذوى الأرحام. على أي درجة كانت قرابتهم، وذلك بإعطائهم ما يحتاجون إليه، لا فرق بين الأقربين منهم والأبعدين، ويشير إلى ذلك ما جاء في النص الكريم من طلب إعطاء ذى القرابة مطلقًا، ولو طلبها للأقرباء أو للأقارب أو للأقربين لم يفد التعميم؛ لأن هذه الصيغ تقيد الإحسان لأكثرهم قرابة، فلذا جيء بهذا النص الكريم ليعم ذوى القرابة مطلقا، والتصريح بإيتاء ذى القربى مع أنه داخل في الإِحسان الذي يأمر به الله سبحانه، للاهتمام بشأن صلة القرابة وإعطائها حق قدرها، وبعد أن ذكر سبحانه ثلاثة من المأمورات. أَتبعها بذكر ثلاثة من المنهيات فقال تعالى:
﴿وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ﴾: أَي ينهاكم عن الفحشاء قولا وعملًا، والفحشاءُ: كل ما عظم قبحه من الذنوب ويكثر إطلاقها على الزنى، وكما ينهاكم عن الفحشاء ينهاكم عن جميع ما أنكره الشرع من المعاصي والآثام، وينهاكم أيضًا عن البغى على الناس ظلما وعدوانًا بانتهاك حرماتهم، واغتصاب حقوقهم.
﴿يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾: جملة مستأنفة لبيان الحكمة في تشريعات هذه الآية الكريمة التي تعتبر دستورًا لمكارم الأخلاق.
والمعنى: أَنه تعالى ينبهكم بما جاء في هذه الآية الكريمة، لكي تتعظوا فتسلكوا سبيلها وتعملوا بما جاء بها.