للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والمعنى: من جحد وجود الله أو أَنكر دينه الحق من بعد إيمانه، وسلوكه سبيل المؤْمنين فإِن الله يغضب عليه ويعذبه عذابا عظيما (١). ثم استثنى الله من هذا العقاب منْ أكره على الكفر بقوله: ﴿إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ﴾: أي إلا من أُرغم على الكفر بشيء يخشى منه على نفسه أو على عضو من أَعضائه. فكفر. وحاله في اطمئنان قلبه، وسلامة عقيدته لم تتغير، فلم يخالط يقينه أي شك أَو تردد فلا، يضره وهذا الكفر. بل هو في كنف الله ورعايته. ﴿وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا﴾: أي لم يكن مكرها على الكفر. بل آثره واطمأنت إليه نفسه، وتفتَّح له قلبه. انشرح به صدره ﴿فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ﴾: أَي فينزل عليهم ويحل بهم غضب عظيم من الله. لا يدركون كنهه، وقد أَشعر إظهار اسمه الجليل في معرض الوعيد بشدة العذاب لهؤُلاءِ الكافرين المتعمدين للكفر.

وفي سبب نزول هذه االآية روىَ العوفِيُّ عن ابن عباس: أنها نزلت في عمار بن ياسر حين عذبه المشركون حتى يكفر بمحمد فوافقهم على ذلك مكرها، وجاء معتذرا إلى النبي ، فأَنزل الله هذه الآية، هكذا قال الشعبي وأَبو مالك وقتادة، وفي رواية ابن جرير. فشكا ذلك إِلى النبي . فقال النبي : "كيف تجد قلبك" قال مطمئنا بالإيمان. وقال النبي : "إن عادوا فَعُد".

١٠٧ - ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ﴾:

الإشارة راجعة إلى وعيد من كفر بعد الإيمان. أَي ذلك الوعيد السابق. بإِنزال الغضب والعذاب العظيم عليهم منه تعالى بسبب إيثارهم الدنيا وزينتها وتعلقهم بمطامعها ومفاتنها وإِعراضهم عن الآخرة. إيثارا للعاجل الفاني. على النعيم الباقي.

﴿وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾: أَي وذلك الوعيد أيضا بسبب أَن الله تعالى لا يهدي القوم الكافرين الإِيمان، على سبيل القهر والإلجاء؛ لأنه ثبت في علمه المحيط اختيارهم الكفر على الإيمان وإِصرارهم عليه، فلهذا لم يعصمهم من الزيغ، ولا مما يؤدي إِليه من إنزال الغضب عليهم. والعذاب العظيم بهم، فمن بعُد عن الله بعد اللهُ عنه وأَدناه من عقابه، ومن تقرب إلى الله قرب الله منه وأدناه من رحمته.


(١) هذا الجواب الذي قدرناه هنا مستفاد من قوله تعالى فيما سيأتي: ﴿وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾، فحذف من الأول لدلالة الثاني عليه.