وقال القرطبي - نقلا عن غيره في تعليل التكرار -: إن موقع التحويل كان معنتًا في نفوسهم جدًا، فأَكد الأَمر، ليرى الناس الاهتمام به، فيخف عليهم، وتسكن نفوسهم إليه.
ويمكن حمل التكرار على أن الآية الأُولى: ﴿فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾، لتشريع تحويل القِبْلَة من بيت المقدس إلى الكعبة، وقوله بعد ذلك:
﴿وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ لتشريع الاتجاه إليها في الأسفار، وقوله: ﴿وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ﴾ لتشريع الاتجاه إليها من المقيمين في بقاع الأرض المختلفة.
وعلل الأمر باتجاههم إلى الكعبة في كل مكان يصلون فيه، بقوله:
فَأَهل الكتاب يعلمون من كتابهم: أن اتجاهكم إلى الكعبة حق. فإذا اتجهتم إليها لم يكن عليكم أي دليل ينقص من عملكم، فهي قِبْلَةُ أبيهم إبراهيم، وإن لم يعجبهم انصرافكم عن قبلتهم.
والمشركون سيعلمون - بهذا الاتجاه - أنكم ورثة ملَّة أبيكم إبراهيم وقبلته، وكانوا يعترضون عليكم، بمخالفة قبلته، والآن: سقط هذا الاعتراض.
أما الظالمون المعاندون: فلا حيلة لكم معهم. فهؤلاء يقولون: ما تحوَّلَ إلى الكعبة إلا ميلًا إلى دين قومه، وحبًا لبلده. أو بدا له فرجع إلى قبلة آبائه. ويوشك أن يرجع إلى دينهم، وتسمية هذه الكلمة الشنعاء (حُجَّة) - مع أنها أفحش الأباطيل - من قبيل قوله تعالى: " ﴿حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ﴾ (١) حيث كانوا يسوقونها مساق الحُجَّةِ.