جاها من المؤمن في الدنيا، وقد يكون العكس؛ لأن العطاء في الدنيا لا ينظر فيه إِلى العمل غالبًا، بل هو كرم غير مشروط، وتذكير وامتحان يستتبع الجزاء.
وهذا التفاوت الذي تراه في الدنيا لا قيمة له بجانب التفاوت الذي سوف يكون في الآخرة، فإن التفاوت فيها سيكون أَعظم، ودرجات التفضيل ستكون أَكبر، تبعًا لتفاوتهم إيمانًا وكفرا، وطاعة وعصيانًا، فبعضهم في أَعلى عليين وبعضهم في أَسفل سافلين، وغيرهم من سائر الخلق متفاوتون في الدرجات أو الدركات، وقد جاء في تفاضل أَهل الجنة في الدرجات عن أبي سعيد الخدرى أَن رسول الله ﷺ قال:"إن أَهلَ الجنة لَيَتَرَاءون أَهل الغرف من فوقهم، كما يتراءون الكوكب الدرى العابر من الأُفق من المشرق إلى المغرب لتفاضل ما بينهم، قالوا يا رسول الله: تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم؟ قال: بلى. والذي نفسى بيده، رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلينَ" أَخرجه الشيخان واللفظ لمسلم.
وقد صح أَنه تعالى أَعد لعباده الصالحين ما لا عين رأَت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلبِ بشر.
رروى ابن عبد البر في (الاستيعاب) عن الحسن قال: حضر جماعة من الناس باب عمر ﵁ وفيهم سهيل بن عمرو القرشى، وكان أَحد الأشراف في الجاهلية، وأَبو سفيان بن حرب وأولئك المشايخ من قريش، فأذن لصهيب وبلال وأَهل بدر - وكان يحبهم - فقال أَبو سفيان: ما رأَيت كاليوم قط، إنه ليؤذن لهؤلاء العبيد، ونحن جلوس لا يلتفت إِلينا، فقال سهيل - وكان أعقلهم -: أيها القوم .. إن والله قد أَرى في وجوهكم، فإن كنتم غضابًا فاغضبوا على أنفسكم، دعى القوم ودعيتم فأسرعوا وأَبطاتُم، أَمَا والله لَمَا سبقوكم به من الفضل أَشدُّ عليكم فوتا من بابكم هذا الذي تنافسون عليه … انتهى بتصرف يسير .. وفي الكشاف أَنه قال: إنما أتينَا من قِبَلِ أنفسنا، إنهم دعوا ودعينا، فأسرعوا وأَبطأنا، وهذا باب عمر .. فكيف التفاوت في الآخرة؟ ولئن حسدتموهم على باب عمر، لَماَ أَعد الله لهم في الجنة أَكبر.