للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

﴿فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا﴾: أَي أن هذه الآلهة المزعومة لا تستطيع ولا تملك أَن تزيل عنكم ما يعتريكم من التفسير، ولا تملك أن تحوله عنكم إِلى غيركم، بل إنهم عاجزون لا محالة؛ لأنهم كما قال تعالى في سورة الفرقان: ﴿وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا﴾ (١). فكيف تعبدونهم من دون الله؟

٥٧ - ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ﴾:

كان بعض العرب يعبدون الملائكة، وبعضهم يعبدون الحق ، كما كان بعض اليهود والنصارى يتخذون أَحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم، فنزلت هذه الآية في شأن من يعبدون غير الله.

والمعنى: أَن هؤلاء الشركاء الذين عبدتموهم من دون الله هم خلق من خلق الله، وعبيد من عباده، خاضعون لمشيئته، منقادون لأمره يرجون رحمته ويخشون عذابه، يسبحون بحمده ويلهجون بذكره، ويتنافسون في التقرب إِليه بكل وسائل الزلفى.

﴿وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا﴾:

أَي هم مع ما تقدم من عبادتهم لله وتقربهم إِليه يرجون رحمته ويخافون عذابه، لأن عذابه شديد أليم. فهم لا يعتمدون على طاعتهم، بل يخشون عقابه حذرا من تقصيرهم.

ويجوز أن يكون المعنى: أولئك المشركون الذين يعبدون الأوثان يبتغون بعبادتها الوسيلة إِلى الله، ويرجون بذلك رحمة الله ويخشون عذابه، فأيهم أَقرب إِلى الله؟ لا شك أَن أولئك العابدين أقرب إِلى الله تعالى من أَوثانهم، فهو سبحانه أقرب إلى عباده من حبل الوريد، فلا يصح أَن يتقرب هؤلاء المشركون إِلى الله بعبادة من هم أبعد منهم عن الله وأَحط قدرا وأضعف قوة وشأنا، إن عذاب ربك يا محمد كان أمرا محذورا ومخوفا، فلماذا لا يحذره هؤلاء العابدون لأوثانهم، وقد أَشركوا به من هو مَثَلٌ في الضعف والهوان.


(١) سورة الفرقان: الآية ٣