للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أَو لأنه تعالي يعلم أَن من ذريتهم من يعبد الله، أو لغير ذلك من الحكم، وقيل إن المراد أن الله سبحانه سيهلك جميع القرى قبل قيام الساعة ويشير إلى ذلك قوله تعالى في سورة المزمل: ﴿يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلًا﴾، وقد ورد في صحيح مسلم من حديث طويل عن الرجال، رواه بسنده عن النواس بن سمعان عن النبي قوله: "فبينما هم كذلك إذ بعث الله تعالى ريحًا طيبة فتقبض روح كل مؤمن وكل مسلم ويبقى شرارُ الناس يتهارجون فيها تهارج الحمر فعليهم تقوم الساعة".

﴿كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا﴾: كان الإهلاك أَو التعذيب قضاء محتوما وقدرًا نافذا سجله الله عنده في اللوح المحفوظ لتنفيذه في الأجل المحدود.

٥٩ - ﴿وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ﴾:

روى النسائي وأَحمد والحاكم وغيرهم عن ابن عباس أنه قال: قال أهل مكة للنبي : اجعل لنا الصفا ذهبا ونؤمن بك، قال: وتفعلون؟ قالوا نعم، قال: فدعا فأتاه جبريل، فقال: إِن ربك يقرأ عليك السلام ويقول لك: إن شئت أصبح لهم الصفا ذهبا فمن كفر بعد ذلك عذبته عذابًا لا أعذبه أحدا من العالمين، وإِن شئت فتحت لهم أبواب التوبة والرحمة، قال: بل باب التوبة والرحمة فأنزل الله سبحانه هذه الآية.

والمعنى: أَن الله لم ينزل المعجزات التي طلبها المشركون لأنه سبحانه يعلم أَن قريشا سوف تجحد هذه المعجزات كما جحدها السابقون. وحينئذ تستحق الهلاك تطبيقًا له لسنته في شأن المكذبين بعد تحقيق ما طلبوه، والله تعالى يعلم أنها ستستجيب لدعوة الإسلام بعد حين، فلم ينزل هذه المعجزات المطلوبة واكتفى بِإعجاز القرآن الكريم، كما قال سبحانه: ﴿وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (٥٠) أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ (١).


(١) سورة العنكبوت: الآيتان ٥٠ -