عن التسلط على ما في الأرض، من كنوز ومياه ومعادن وبترول، وغير ذلك مما جعلهم يقيمون الصناعات، ويستنبتون الزروع ويغرسون الأشجار، ويملكون سبل التقدم والعمران كما مكنهم من الانتفاع بما في السماء، من هوائها وسحابها. وسائر كواكبها وأجرامها التي أَمدتهم وتمدهم بطاقات كثيرة لا غنى لكائن حمىّ عنها، فضلا عن الاهتداء بها في ظلمات البر والبحر، وقصارى القول أن الله تعالى سخر كل شيء لتكريم الإنسان. وكان هذا التسخير بقدرته تعالى، وليس بقدرة البشر.
﴿وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ﴾: أي أنعمنا عليهم فحملناهم في البر على الدواب من الإبل والخيل والبغال وعلى غيرها من وسائل الانتقال. كما حملناهم في البحر على السفن المختلفة الأشكال والأحجام المختلفة الأغراض.
﴿وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ﴾: التي تجمع فنون المطاعم والمشارب الذيذة التي منحناهم إياها، مما لا يتسنى لهم أن يحصلوا عليها بصنعهم، وإن صنعوها فبتيسير الله وإِقداره، وإجرائها في مواد مخلوقة له سبحانه، أما غيرهم من الحيوانات فأرزاقها مما تعافه أَنفسهم.
﴿وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾: أَي أَن الله جل شأنه فضلهم تفضيلا عظيما على كثير ممن خلقهم سبحانه بأمور كثيرة، إذ شرفهم بالعقل الذي هو عمدة التكليف وبه يعرف الله، وتفهم تعاليمه، ويحصل بهديه التمييز بين الحق والباطل والحسن والقبيح، وذلك مما يوجب عليهم شكر المنعم المتفضل، ويتحقق شكره بتوحيده وإخلاص العباة له سبحانه، ورفض الشرك الذي لا يقبله من له أَدنى تمييز. فكيف بمن فضل على ما سوى الملإ الأعلى، من كل ما يدب على وجه الأرض أَو يحلق في أَرجاء السماء، وكما فضلهم بالعقل فضلهم بأُمور خلقية ذاتية، مثل النطق والصورة الحسنة، والقامة المديدة المعتدلة، إلى غير ذلك مما امتاز به الإنسان عن سائر الحيوان.
واعلم أن الرسل من البشر أفضل من الملائِكة مطلقا، ثم الرسل من الملائكة مفضلون على من سواهم من البشر والملائكة. ثم عموم الملائكة على عموم البشر. هذا رأى الجمهرة من العلماء.