عليه ملكًا ولا نبيًّا مرسلا فكان ذلك سببًا لنزولها، وكان السؤال عن حقيقة الروح ومسلكه في بدن الإنسان، وامتزاجه بالجسم واتصال الحياة به وهذا شيءٌ لا يعلمه إلا الله، وذلك ليعرف الإِنسان على القطع عجزه عن فهم حقيقة نفسه ومصدر حياته مع علمه بوجودها. وفى هذا دلالة ناطقة على أنه وقد عجز عن إِدراك حقيقة نفسه فهو عن إدراك كنه خالقه أَعجز، لأنه اللطيف الذى لا يعلم ذاته سواه.
وقيل في معنى الروح أَقوال منها: أنها صورة كالبدن تسري فيه سريان الماء فى العود الأخضر، وقيل غير ذلك، والصحيح أنها شيءٌ لا يعلمه إلا الله لقوله تعالى آمرا نبيه بإجابتهم: ﴿قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي﴾:
وكان المقام للإضمار فيقال قل هو من أَمر ربي، ولكن الإظهار لكمال العناية بالمسئول عنه. أَي قل إن الروح من الأسرار الخفية التي تعجز عن إدراكها عقول البشر وتكل عن معرفتها أفهامهم، فهي من الأمور التي استأثر الله بعلمها، والإضافة إِلى ضميره ﷺ فى (ربي) للتشريف والتعظيم.
﴿وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾: اختلف فيمن خوطب بهذا، فقيل: السائلون فقط، وقيل: اليهود بجملتهم، وقيل: العالم كله وهو الصحيح فقد أَخرج ابن إسحاق وابن جرير عن عطاء بن يسار قال نزلت هذه الآية بمكة فلما هاجر ﷺ إلى المدينة أتاه أحبار يهود فقالوا يا محمد ألم يبلغنا عنك أنك تقول: ﴿وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾ أفعنيتنا أم قومك؟ قال كُلًّا عنيتُ - قالوا فإنك تتلو أنا أُوتينا التوراة وفيها بيان كل شيء. فقال رسول الله ﷺ هي في علم الله قليل، وقد آتاكم ما إِن عملتم به استقمتم، وأَنزل الله: ﴿وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ (١).
ولا شك أَن القِلة والكثرة من الأُمور الإضافية، فالشيءُ يكون قليلا بالنسبة إِلى ما فوقه وكثيرا بالنسبة إلى ما تحته، فما في التوراة قليل بالنسبة إلى ما في علم الله حيث إن علمه