أَي ما منع أكثر الناس الذين حكيت أباطيلهم في الآيات السابقة، أن يؤمنوا بالقرآن وبنبوتك وقت مجئ الوحي إِلا قولهم على سبيل الإنكار: أَيحق أن يكون رسول الله من جنس البشر؟ وقصدهم نفى رسالة محمد ﷺ لأنه بشر، والرسالة في اعتقادهم إِنما تكون للملك لا للبشر، وقد أمر الله رسوله أَن يجيبهم بقوله:
أَي قل لهم أيها النبي منبها إلى رحمة الله بعباده، وفضله عليهم: لو وجد في الأرض ملائكة يسكنونها ويمشون فيها كما تمشي البشر ولا يعرجون في السماء ليعلموا ما يجب عليهم علمه، لبعث إِليهم ملكا منهم وعلى شاكلتهم، ليتفقهوا عنه ويعلموا منه ما لا تستقل قدرتهم بعلمه، حيث يتسنى لهم مخاطبته ومكالمته؛ لأن الجنس إلى الجنس أَميل، وبه آنس، أَما سكان الأرض من البشر، فهم بمعزل عن إمكان التلقى عن الملائكة، فبعث الملَك إليهم مناف للحكمة المقتضية لوجوب التجانس بين الرسول ومن يرسل إليهم، أما إرسال الملَك بوحى إلى الرسل من البشر كمحمد وعيسى وموسى ﵈. فلأن الله أعطاهم من القوى الروحية العليا ما يجعلهم أهلا لتلقي الوحى عن الملك حيث جعل لهم جهتين؛ جهة ملكية بها من الملك يستفيضون، وجهة بشرية: بها على البشر يفيضون، وجعل كل البشر كذلك مخل بالحكمة.
وكان الملك يظهر للرسول على وجه يسهل معه التلقي عنه، كما ظهر جبريل ﵇ للرسول في صورة دحية الكلبي، وقد صح أن أعرابيا جاء وعليه أَثر السفر إلى رسول الله ﷺ، فسأله عن الإسلام والإيمان والإحسان وغيرهما، فأجابه ﵊ بما أَجابه ثم انصرف ولم يعرفه أحد من الصحابة رضي الله