للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ما يقبل منهم، وصُمًّا لا يسمعون ما تطمئن به أسماعهم. قال ابن عباس والحسن: عمْي عما يسبرهم بكمٌ عن التكلم بحجة، صمٌّ عما ينفعهم. وعلى هذا فحواسهم باقية على ما هي عليه ويكون ذلك على المجاز، وقيل إِنهم يحشرون عميا بكما صما على سبيل الحقيقة تحقيرا لهم وامتهانا، ثم تعاد إليهم تلك الحواس عندما يحشرون إلى النار ليبصروا لظاها ولهيبها القوى وأَهوالها البالغة. كما قال تعالى: ﴿وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا﴾ (١). وليتكلموا بما يزيدهم أَلمًا وحسرة قال تعالى: ﴿وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا﴾ (٢). وليسمعوا ما يذيب نفوسهم فزعا وهلعا وقلوبهم خوفا ورهبة قال تعالى: ﴿إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا﴾ (٣). وقيل يحصل لهم العمى والبكم والصمم بعد دخول النار لشدة سوادها، وقسوة أَهوالها.

﴿مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا﴾: أي أن جهنم مستقرهم ومقامهم، يصلون العذاب فيها الدائم، وحتى يبقى شديدا أليما فإنه كلما خبت زادها الله سعيرًا ونارًا تلظَّى.

٩٨ - ﴿ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا﴾:

أَى ذلك العذاب الشديد جزاءُ كفرهم في الدنيا بآياتنا القرآنية والكونية الدَّالة على البعث، دلالة بيِّنة لا لبس فيها ولا إبهام، أَو الدالة على صحة ما أَرسلناك به مطلقا، فيشمل ما ذكر من الدلالة على البعث الذى أنكروه أَشد الإِنكار، واستبعدوا وقوعه حيث قالوا: أَبعد أَن أَصبحنا ترابا أَو أجزاءً متفتتة تفرقت وتناثرت، أَبعد ذلك نبعث خلقا جديدا أَي بعثا جديدًا، تتلاقى فيه منا الأجزاءُ وتستقيم القامات. أَو المعنى أَنبعث مخلوقين على سبيل الإيجاد والتكوين مرة أُخرى؟ وقد رد الله على إِنكارهم الإعادة بعد الفناء بما يأتي من الآيات، فقال تعالى:


(١) سورة الكهف الآية ٥٣.
(٢) سورة الفرقان الآية ٥٣.
(٣) سورة الفرقان. الآية ١٢.