للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والمعنى؛ قد علموا أن من قدر على خلق السماوات والأرض من عدم، وعلى غير مثال سبق فهو قادر على أن يبعثهم ويعيد خلقهم، كما بدأَهم أول مرة، بل الإعادة أهون عليه كما قال جل وعلا: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ (١).

﴿وجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا لَا رَيْبَ فِيهِ﴾:

أي وجعل سبحانه لبعثهم وإعادتهم، ميقاتًا محدودًا عنده لا يعلمه إِلا هو، وهو ميقات محتَّم مَجِيئُه، لا ينبغي لأحد الشكُّ فيه، فضلا عن إنكاره، وهو يوم القيامة، لكن المشركين الذين ظلموا أنفسهم، وكفروا بآيات ربهم، وجحدوا قدرته وحكمته - لكن هؤُلاه المشركين الظالمين، أصروا على إِنكار البعث مع قيام الحجة عليهم، جحودا وعنادًا، كما قال سبحانه:

﴿فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُورًا﴾:

أي: فلم يرض هؤُلاء الكفرة الظالمون، إلا مُضيًّا في كفرهم وجحودهم، بعد أَن دمغتهم الحجة فأزهقت باطلهم.

ولما بينت هذه الآية أن المشركين أفرطوا في العناد والكفر، جاءت الآية التي تليها، لتبين أن هَؤُلاءَ المشركين، أَفرطوا في الشح والبخل كذلك، فقال عز من قائل:

١٠٠ - ﴿قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ … ﴾ الآية.

أَي قل يا محمد لهؤُلاء المشركين: لو أنكم تملكون التصرف في خزائن رزق الله لأمسكتم عن الإنفاقِ منها ولَبَخِلْتُمْ بها فلم تُعطوا أَحدًا شيئًا مخافة نفادها، مع أَنها لا تنفَد ولا تفرغ أبدًا؛ ولكن الإمساك والبخل مركوزان في طباع الإنسان إلا من وفقه الله وعصمه؛ قال تعالى: ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (١٩) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (٢٠) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (٢١) إِلَّا الْمُصَلِّينَ﴾ (٢).


(١) سورة الروم، الآية: ٢٧
(٢) سورة المعارج، الآيات: ١٩ - ٢٢