روى البخاري عن عاصم بن سليمان قال:"سألت أنس بن مالك، عن الصفا والمروة، فقال: كنا نرى أنهما من أمر الجاهلية، فلما كان الإسلام أمسكنا عنهما" فأنزل الله ﷿: ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا﴾.
وفي رواية الترمذي، عن أنس، أنهما:"كانا من شعائر الجاهلية".
ويشرح الشعبي أمرهما في الجاهلية، فيقول:"كان على الصفا في الجاهلية صنم يُسمى: إسافًا، وعلى المروة صنم، يُسمى: نائلة، فكانوا يمسحونهما، إذا طافوا، فامتنع المسلمون عن الطواف بهما من أجل ذلك، فنزلت الآية"، أي نزلت لرفع الحرج من السعي بينهما. بعد ما أُزيلت عنهما الأصنام.
والمعنى: إن الصفا والمروة من معالم دين الله، فهما من مناسك الحج والعمرة في الإسلام، بعد أن أُزيل الصنمان من فوقهما، وتمحض الذكر بينهما لله - تعالى -
﴿فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا﴾: أي فمن كان حاجًا أو معتمرًا، أو جامعًا بين الحج والعمرة، فلا إثم عليه في أن يسعى بينهما.
وقد علمت مما تقدم: أن السعي بينهما كان نسكًا وعبادة في الجاهلية، ولكن العبادة فيه كانت للوَثَنَيْن القائمين فوقهما، فكان الساعون من أهل الجاهلية يمجدون وثنيتهما أثناء السعي. فلماء جاءَ الإسلامُ، أقر السعي بينهما، بعد أن أزال الأصنام، وجعل الذكر لله - تعالى - وحده، وهذا وأمثاله من السياسة الشرعية في الإسلام، فإنه إذا أقر أمرًا كان معروفًا في الجاهلية، لحكمة تقتضي إقراره، جرده من مظاهر الوثنية، ووجهه إلى الله - تعالى - قصدًا وذكرًا.
قال الآلوسي: وقد وقع الإجماع على مشروعية الطواف - أي السعي بينهما في الحج والعمرة - لدلالة نفي الجُناح على ذلك، لكنهم اختلفوا في الوجوب، فعن أحمد: أنه سُنَّة، وبه قال أنس، وابن عباس، والزبير، لأن نفي الجناح يدل على الجواز، والمتبادر منه