للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ولما بين سبحانه حال القرآن الكريم في إنزاله ونزوله، بيّن حال من أنْزلَ القرآن عليه فقال مخاطبًا إياه :

﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا﴾:

أَي: وما أرسلناك - يا محمد - إِلى الناس كافة إلا مبشِّرا للمطيعين منهم بالثواب، ومنذرًا للعاصين منهم بالعقاب، فما عليك إلا البلاغ بالتبشير والإنذار، وليس عليك إِكراه أَحد منهم في الدين، فقد تبين الرشد من الغي.

١٠٦ - ﴿وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ … ﴾ الآية.

أي وأنزلنا عليك - يا محمد - قرآنًا، عظيمًا أَوحيناه إِليك وأيدناك به - أَنزلناه منجمًا مفرقًا، على حسب الأحداث والمناسبات؛ لتبلِّغه الناسَ على تؤدة وتأنٍّ، ليكون أيسر للحفظ، وأعون على الفهم، وأبين لوجوه الإعجاز به، في هدايته وبشارته ونذارته، ولذا أكد هذا المعنى فقال:

﴿وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا﴾: أَي نزلناه بحسب الحوادث والمصالح، حيث لم ينزل جملة واحدة، للحِكَم التي مر بيانها. وقد نزل القرآن الكريم مفرقا حسب الحوادث المقتضية لنزوله في مدة الرسالة المحمدية، وهي ثلاثة وعشرون عاما تقريبا.

وهذا التنزيل المفرق خاص بالقرآن الكريم، دون سائر الكتب السابقة، لأنه أنزل على خاتم النبيِّين والمرسلين، صلوات الله وسلامه عليهم أَجمعين، فكان لهذا آخر كتاب أُنزل من عند الله ليبقى حتى تقوم الساعة، وقد تكفل الله بحفظه، وجعل من أسباب حفظه نزوله مفرَّقًا حسب الوقائع، حتى يكون أَيسر لحفظه؛ وأَعون على فهمه، وأَدعى إلى الحرص على نصوصه، أَما غيره من الكتب السماوية فقد نزل كل منها جملة واحدة، ولم يتكفل الله تعالى بحفظها كما تكفل بحفظ الكتاب العزيز، لأنها كانت موقوتة بأزمنتها، ومن هنا وقع فيها التغيير والتبديل بعد أَن وضح الحق، وأسفر الصبح لذى عينيين.

ولما أصر أَهل مكة على الكفر بالقرآن الكريم، قال الله تسلية لنبيّه ، ووعيدًا للكافرين وتهديدا لهم: