وحسْنُ العمل في هذه الدنيا صرفُها إلى ما ينبغي، واتخاذُها وسيلة إلى معرفة خالقها، والتمتعُ بالحلال الطيب منها، وشكر الله - جلت آلاؤُه - على نعمه فيها، مع الحذر كل الحذر من فتنتها والاغترار بها. واتخاذها وسيلة إلى الشهوات والمفاسد، شأن أرباب الهوى، ولا ريب أن مراتب الحسن والقبح متفاوتة.
ويجمع كل ما قدمناه - بل يزيد عليه - ما حكاه الله تعالى في قصة قارون إذ قال له قومه وقد خرج عليهم في زينته: ﴿لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (٧٦) وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾ (١).
أَي وإِننا لمصيرون - حتمًا - ما على الأرض من المخلوقات قاطبة - عند تناهي عمر الدنيا - ترابًا لا نبات فيه ولا بهجة، من بعد ما كان يتعجب من بهجته النُّظار، وترنو إليه الأبصار؛ وفي هذه الآية الكريمة تكميل لسبب نهيه ﷺ عن إجهاد نفسه الرحيمة فوق طاقتها؛ كأن الله تعالى يقول له: لا تحزن أَيها الرسول بما عانيت من تكذيب قومك لما أنزلنا عليك، فإنا قد جعلنا ما على الأرض من فنون الأشياء زينة لها، اختبارًا لأهلها؛ وسينتهي العُمران فيها إلى خراب، والحياة فيها إلى موت، ثم نجزي كل نفس بما أسلفت، وسننتقم لك منهم.