وقال الحافظ ابن كثير في تفسير قوله: ﴿وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ … ﴾ الآية.
وصبَّرناهم على مخالفة قومهم ومدينتهم لهم ومفارقة ما كانوا فيه من العيش الرغيد والسعادة والنعمة؛ فإنه قد ذكر غيرُ واحد من المفسرين من السلف والخلف: أنهم كانوا من أَبناء سادة الروم، وأنهم خرجوا يوما في بعض أعياد قومهم، وكان لهم مجتمع في السنة يجتمعون فيه، وكان لهم ملك جبار عنيد يأمر الناس بعبادة الأصنام والذبح لها، فلما خرج الناس لمجتمعهم ذلك وخرج هؤُلاء الفتية مع آبائهم وقومهم، ونظروا إِلى ما يصنع قومهم بعين بصيرتهم - عَرفوا أَن هذا الذي يصنعه قومهم من السجود لأصنامهم والذبح لها، لا ينبغي إِلا لله الذي خلق السماوات والأرض، فجعل كل منهم يتخلص من قومه وينتحى ناحية، حتى جمعهم الذي جمع قلوبهم على الإِيمان به، كما جاءَ في الحديث الذي رواه البخاري عن عائشة ﵂ قالت:"قال رسول الله ﷺ: الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف".
ثم توافقوا كلهم على عبادة الله وحده .. فلما انتهى أَمرهم إِلى ملكهم استحضرهم بين يديه، فسألهم عن أمرهم وما هم عليه فأجابوا بالحق ودَعَوه إلى الله ﷿، وقد أجمل الله ذلك بقوله: ﴿وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ … ﴾ الآية.
ويقال إنهم لما دَعوا الملك إلى الإيمان باللهِ أبي عليهم وتهددهم وتوعدهم، ثُمَّ أجَّلَ النظر في أمرهم لعلهم يرجعون عن دينهم. قال الحافظ ابن كثير: وكان هذا من لطف الله بهم فإنهم في تلك النَّظِرَة توَصلوا إلى الهرب منه والفرار بدينهم من الفتنة! انتهى ما قاله ابن كثير ملخصًا.
ثم قال بعض الفتية لبعض، إِنكارا على أهل بلدهم، وتمهيدا لاعتزالهم: