قال الآلوسي: أخرج جماعة عن ابن عباس، قال: سأل معاذ بن جبل، وسعد بن معاذ، وخارجة بن زيد، نفرًا من أحبار يهود، عن بعض ما في التوراة، فكتموهم إياه وأَبَوا أن يخبروهم، فأنزل الله - تعالى - هذه الآية.
وعن قتادة: أنها أنزلت في الكاتمين من اليهود والنصارى.
المعنى في هذه الآية الكريمة - وإن كان سبب نزولها خاصًا - وعيدٌ لكل من كتم علمًا يحسنه: سواءٌ أكان من اليهود، أم النصارى، أم غيرهم. فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
فكل من آتاه الله علمًا، وَجَبَ عليه أن يبذله للمحتاجين إليه، ولا يكتمه، وإلا كان آثمًا. ولكونها عامة، قال أبو هريرة، فيما رواه البخاري عنه:"لولا آية في كتاب الله ما حدثت أحدًا بشي أبدًا" ولعله قال ذلك، حين قيل له: أكثرت في الرواية.
وكما جاء الوعيد عن الكتمان في القرآن، جاء في السنة.
أخرج أبو يعلي والطبراني بسند صحيح، عن ابن عباس ﵄ قال: قال رسول الله ﷺ: " من سُئل عن علمٍ فكتمه، جاء يوم القيامة مُلجَمًا بلجام من نار".
ومع أن العلم يجب تبليغه، فليس على العالم أن يبلغ منه إلا ما يناسب السامع، لكيلا يضل بسبب ضعف استعداده الفكري، أو العلمي أو وهن دينه.
ولهذا كان ابن مسعود يقول:"ما أنت بمحدث قومًا حديثًا لا تبلغه عقولهم، إلا كان لبعضهم فتنة".
وفي هذا المعنى، يقول ﷺ:"حدثوا الناس بما يفهمون، أتحبون أن يُكَذَّب الله ورسوله"(١)؟!.
وقد دلت الآية على هذا المعنى. فإن الوعيد فيها، إنما هو على كتمان ما كان من البينات الواضحات، والهدى الذي لا يضل به الناس.
أما سواه، فيُكتم - إلا عن أهله - مخافة الفتنة. وقد فعل ذلك أبو هريرة.