مع أَنهم في متسع من الكهف، بحيث يمكن معه أَن يصلهم شعاع الشمس، ولكن الله تعالى حماهم من حرِّها فأبعد شعاعها عنهم حتى لا تؤذيهم بحرارتها طول النهار وكرامةً لهم، في حين أَنه سبحانه جعل الهواء يدخل إِليهم، لتبقى حياتهم إِلى حين بعثهم من رقادهم.
﴿ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ﴾: أي ذلك الذي حدث من تحول أَشعة الشمس عنهم، وعدم وصول ضوئها الحارِّ إليهم طَوَالَ النهار - كل يوم مدة رقودهم - مع اتساع مدخل الكهف وصلاحيته لتوصيل أشعة الشمس إليهم - ذلك كله - من آيات الله العظيمة الدالة على كمال قدرته وحكمته في تدبيره، حيث أبطل حكم العادة، ليعم الناس أن الحكم لله لا للأسباب العادية، كما أَنها من آيات الله على كرامة أَهل الكهف ومنزلتهم لديه، وأنه تعالى يحمى أولياءه، ويكرم أصفياءه.
أَي أن مَنْ يرشده الله سبحانه إرشادا يوصلُه إلى الحق، فهو الواصل إليه لا محالة، لأن نفسه مستسلمة إِلى إرشاد الله، ومستجيبة لآياته ودلاتله، ومن كان كذلك فله الجزاءُ الكريم في الدنيا والآخرة، أما من يصرفه الله ويبعده عن الهدى لأنه اتَّجَه بسوء اختياره إِلى الضلال وأوغل فيه، فلن تجد له معينا يرشده ويهديه إلى الحق، ويأخذ بيده إلى سواء السبيل.
وقَد أَفادت هذه الجملة من الآية الثناء على أهل الكهف والشهادة لهم بإِصابة الهدى والرشاد، وأَن ذلك كان بتوفيق الله وهدايته لهم، لسلامة فطرتهم، وصفاء قلوبهم وعقولهم وانصرافهم عن تقليد آبائهم، إلى اتباع آيات الهدى والرشاد، وأما غيرهم من عبدة الأوثان، فقد اتبعوا هَوَاهم، وأعرضوا عن هُداهم، فتخلى الله عنهم، لأن سنة الله أن من يقبل على الله يهده الله، ومن ينصرف عن هداه، فهو متورط في الضلال، وليس له سبيل إِلى الهدى، ولا معين له على الوصول إليه، بعد أن تخلى الله عن إنقاذه، لإصراره على الضلالة.