يوم أَو بعض يوم، فدعوا الحديث عنه، فابعثوا أَحدكم بدراهمكم هذه التي أحملها، ليذهب بها إلى المدينة التي خرجنا منها مهاجرين إِلى الله، فلينظر أي البائعين بالمدينة أَطيب طعاما، وأبعده عن الإثم، فقد كان أَهلها يذبحون للطواغيت، فليأتكم برزق من أطيب الطعام، وليتلطف في معاملته مع بائع الطعام حتى لا تقع خصومة بينه وبينه ويَنكشف بها أمركم، ولا يفعلن ما يؤدى إِلى شعور أحد من أهل المدينة بكم، لننجو من العواقب الوخيمة التي تترتب على معرفتهم بمخبئكم عن طريقه. وفي إِقرارهم في النص الشريف على حملهم للدراهم معهم دليل أَن التأهب لأسباب المعاش لمن خرج من منزله، يحمل النفقة ونحوها لا ينافي التوكل على الله، فإن الحياة بنيت على اتخاذ الأسباب ثم يأتي التوكل على الله بعد ذلك ليساعد من استعان به على نجاح أسبابه، قال تعالى في سورة الملك: ﴿فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ﴾. وقال ﷺ لمن أَناخ ناقته ولم يعقلها، قائلا إني متوكل على الله - قال له الرسول - "اعْقِلْهَا وَتَوَكَّل".
إن قوْمكُم الذين هجرتموهم وتركتم دينهم إن يطلعوا عليكم ويظفروا بكم يرجموكم بالحجارة فيقتلوكم لمخالفتكم إياهم فيما هم عليه من الدين، واعتزالكم إِياهم وما يعبدون، وشق عصا الطاعة ومخالفة الجماعة في أقدس أمُورها يوجب القتل عندها إِلا إن تعودوا إِلى ملتهم وتستجيبوا إِلى فتنتهم مكرهين، ولن تفلحوا أبدا إن دخلتموها ولو مكرهين، فإنهم سيستدرجونكم مع الشيطان إلى استحسانها والاستمرار عليها، وسيحيطونكم بمختلف الفتن والمغريات حتى يطفئوا نور الإيمان في قلوبكم.
ثم إن هؤُلاء الفتية بعثوا أحدهم بدراهمهم ليأتيهم برزق طيب من المدينة بعد أن سمع من إخوانه نصيحتهم، واشتهر أَن اسمه يمليخا، ولما ذهب إِلى المدينة حدث ما أَشار إليه بقوله: