الأخلاق التي جاء الإسلام ليتمها، ولا تستفت فيما لم يتعرض الوحي لبيانه من أحوال أهل الكهف -لا تستفت- أحدا من الخائضين فى شأنهم من أهل الكتاب، فلست بحاجة بعد ما أُوحي إليك إلى المزيد من التعريف بأحوالهم، فإن فيه العبرة للمعتبر، وليس مَنْ يُسْتَفْتَى في شأنهم من أهل الكتاب أهلا للفتوى لجهالتهم أو ضحالة ما عندهم من أَمرهم.
لا يزال الكلام متصلًّا بشأن أَهل الكهف، فإن هذه الآية نزلت حين سألت قريش النبي ﷺ عن الروح وأصحاب الكهف وذي القرنين، فقال ﷺ غَدًا أُخْبركم، فأبطأ عليه الوحي ثم نزل الوحى بعد الموعد، وقد نبَّه الله فيه نبيه ﷺ بهذه الآية أن لا يقول في أي شأن من الشئون سواءٌ كان فى أمر الشريعة أو سواها -أن لا يقول- إني فاعل ذلك غدًا إلا مرتبطًا بقوله إن شاء الله فإن أَمكنه أن يفعله غدًا فعله، وإِلا فقد وقع التخلف وفقًا لمشيئة الله الذي لا يقع فى ملكه إلا ما شاءه سبحانه، ونحن مكلفون بهذا التوجيه الإلهي لرسوله ﷺ، فإنه أُسوتنا وإمامنا.
والمعنى: ولا تقولن لأجل شيء تعزم على فعله: إني فاعل ذلك غدًا أو فيما يستقبل من الزمان إلا مُقْتَرِنًا بمشيئة الله، وذلك بقولك إِن شاء الله، لتخرج من العهدة بالتخلف عن الفعل فى الموعد المضروب، لعدم تحقق مشيئة الله به فيه، فإن حصل نسيان للمشيئة وقت الوعد بالفعل فليذكرها الإنسان عندما يتذكر، وفي ذلك يقول الله تعالى:
أي واذكر مشيئة ربك إِذا تذكرت أنك نسيتها، تداركًا لما فاتك من ذكرها، سواءٌ قصر الفصل أم طال، وهذا ما جنح إليه ابن عباس، فقد أَخرج ابن جرير وغيره عن ابن عباس ﵄، أنه كان يرى الاستثناءَ ولو بعد سنة ويقرأُ الآية، والمراد من الاستثناء التعليق بالمشيئة، وهذا هو مذهب أَهل البيت ونقل في رواية أنه رأي للإمام أَحمد.
وأَخرج ابن المنذر عن ابن جبير في رجل حلف ونسى الاستثناء -أي التعليق على المشيئة- فأفتى بأن له الاستثناء إلى شهر، ومذهب عطاء أن له الاستثناء بعد اليمين إلى مقدار حلب ناقة، أَما طاووس فإنه يرى ذلك ما دام في المجلس وجمهور الفقهاء يشترطون