للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ﴾ (١). ثم تتشقق وتتفتت فتكون كحبات الرمل المتناثرة كما قال سبحانه:

﴿وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلًا﴾ (٢). ثم تصير غبارا منتشرا تسوقه الرياح حيث أراد الله كما قال تعالى: ﴿وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا (٥) فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا﴾ (٣) وفي نهاية أَمرها. تصبح كسراب يُرى من بعيد حتى إذا جئته لم تجد شيئًا، وذلك لتفرق أجزائها تفرقا تاما كما قال سبحانه: ﴿وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا﴾ (٤). بعد هذا الصنيع من القوى القادر، يظهر سطح الأرض مستويا، لا عوج فيه ولا أَمتا أي لا انخفاض به ولا ارتفاع. ويشير إلى ذلك قوله جل شأنه:

﴿وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً﴾: الخطاب للرسول أولكل من تتأتي منه الرؤية، أي وترى الأرض من جميع جهاتها بادية ظاهرة، ليس عليها ما يسترها أويحجب جزءا منها من أودية وكُثْبان، وجبال وأشجار وأبنية وبحار، وزروع وأعشاب، حيث اجتثت جبالها وهدمت أبنيتها، واقتلعت أشجارها، وغاضت بحارها، وانمحت زروعا وأَعشابها وغدت قاعا صفصفا (٥). أي أرضا مستوية جرداء.

وقيل بارزة أي برز ما فيها من الكنوز والأموات، كما قال تعالى: ﴿وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ﴾ (٦). واستغنى بذكر زوال الجبال في الآية عن ذكر زوال غيرها. لأنه يُعلم من ذكر زوالها، زوال غيرها بطريق الأولى: إذ هي أعظمها وأَثبتها وأضخمها.

﴿وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا﴾: أَي وجمعناهم إلى الموقف من كل حدب وصوب بعد قيامهم من قبورهم، فلم نترك منهم أَحدا، هانَ شأنه أوعَظُم كما قال سبحانه: ﴿قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ (٤٩) لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ﴾ (٧). وأَثر التعبير بالماضى في قوله: ﴿وَحَشَرْنَاهُمْ﴾ للدلالة على تحقق وقوع الحشر التابع للبعث الذي أنكروه حيث قالوا: ﴿وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ﴾ تكذيبا لهم وتقريعا؟.


(١) سورة النمل من الآية - ٨٨
(٢) سورة المزمل الآية ١٤
(٣) سورة الواقعة الآيتان - ٥، ٦
(٤) سورة النبأ الآية - ٢٠
(٥) القاع: المستوى من الأرض، وزاد ابن حارس الذي لا ينبت.
(٦) سورة الانشقاق الآية ٤
(٧) سورة الواقعة الآيتان ٤٩،