للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والمعنى: أن الله يضع الكتاب. ويُقصَد به صحائف الأعمال وكتبها، وذلك بِجَعلها في أَيدى أصحابها يأخذ كل منهم كتابه بيمينه أَوبشماله، وحينئذ تُبْصِر العصاة جميعًا خائفين مما في الكتاب من الجرائم التي اقترفوها. والذنوب التي باءُوا بإِثمها، ويدخل فيهم منكروالبعث دخولا أوليًّا.

﴿وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا﴾:

أي أنهم عند وقوفهم على كل ما فيه وعلمهم بما في تضاعيفه. ترتفع منهم أَصوات الحسرة والحيرة. ويتمنون الموت والهلاك حتى لا يروا العذاب الأليم، وقد دعاهم إلى ما صنعوا، ما وجدوه في الكتاب الذي وضع في يد كل منهم بما يدعوإلى العجب والفزع الذي أشار إِليه قولهم: ﴿مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ﴾ إلخ حيث إنه ليس له نظير ولا مثيل من الكتب الأخرى. فهوعلى حال لم يَتْرك معها صغيرة ولا كبيرة إلا عدها وأحاط بها. قال سعيد بن جبير: إن الصَّغِيرة اللَّمم كالمسيس والقُبَل، والكبيرة كالمواقعة والزنى.

قال قتادة: اشتكى القوم الإحصاء وما اشتكى أَحد ظلما، فإياكم ومحقرات الذنوب فإنها تجتمع على صاحبها حتى تهلكه، وكان الفضيل بن عياض إذا قرأ هذه الآية يقول: يا ويلتاه ضجوا إِلى الله تعالى من الصغائر قَبْلَ الكبائر.

﴿وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا﴾: أي ما عملوه في الدنيا وجدوه مسطورا في كتاب كل منهم أووجدوه حاضرا بين أَيديهم حالًا غير مؤَجل، أووجدوا جزاء أعمالهم.

﴿وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾:

أَي لا يأخذ أَحدا بجرم أَحد، ولا يأخذه بما لم يعمله، وقد وعد سبحانه بإثابة المطيع والزيادة في ثواب ما عمله مما أمَرَهُ بهِ، وارتضاه منه، كما وعد بتعذيب العاصى بمقدار جرمه من غير زيادة على ما عمل، وأنه قد يغفر له ما عدا الكفر كما قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ (١). سبُحانه جل وعلا يفعل ما يشاءُ ويختار.


(١) سورة النساء من الآية ١١٦