﴿فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ﴾: فرأَيا في القرية جدارا يكاد يقع فهدمه الخضر ثم أعاد بناءه، فعجب موسى علية السلام من تصرف الخضر، وما بذله من جهد في هدم الجدار ثم إِقامته، لقوم بخلاء يضنون عليهم بالطعام (١).
روى البخاري عن النبي ﷺ قال:"فقال موسى: قوم أَتيناهم فلم يطعمونا ولم يضيفونا … "؟
أي لو أردت لطلبت من هؤُلَاء القوم أَجرًا جزاء عملك.
ونلاحظ هنا أَن موسى ﵇ لم يعترض على الخضر ولم يصدر عليه حكمًا بالخطإ كما فعل في المرتين السابقتين، فقد استفاد من الدرسين الماضيين واكتفى هنا بقوله: لو أردت أن تنال أجرًا على عملك لنلته، وعلق الأمر هنا على مشيئة الخضر وإرادته، وهنا أدرك الخضر ﵇ أن موسى قد استفاد بما مر بهما من أحداث، وأثمرت التجربة ثمرتها المرجوة، فأنهى الخضر لقاءه مع موسى ﵉ مبينًا له حكمة ما صنع مما لم يستطع موسى الصبر عليه.
أَي قال الخضر لموسى ﵉، بعد أن اعترض عليه لهدمه الجدار ثم بنائهِ لقوم بُخَلاء: حان لي فراقك وفقا لتعهدك، ولكنى قبل الفراق سأنبئك بتفسير ما قمت به من أعمال استدعت اعتراضك عليها، لتدرك بواعث وأهداف هذه التصرفات ولكنك تعجلت في الحكم عليها دون أن تدرك أسبابها وتقف على بواعثها.
جاء في حديث البخاري عن هذه القصة بعد قول الخضر لموسى ﵇: ﴿قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ … ﴾ الآية. أن النبي ﷺ قال:"وَدِدْنَا أن موسى كان صبر فقص الله علينا من خبرهما".
(١) والتعبير عن قرب سقوط الجدار بأنه يريد أن ينقض صورة بلاغية، من باب الاستعارة المكنية التخييلية.