للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

النهر له قرنان، وهو ينطح بهما شرقًا وغربًا وجنوبًا، ولا قِبَلَ لحيوان بالوقوف أَمامه، وذكر سفر دانيال المذكور أَن المَلكَ ظهر له وشرح رؤْياه قائلا: إن الكبش ذا القرنين يمثل اتحاد مملكتى (ميديا - وفارى) (١) وأن يحكمها ملك قوى لا تقدر دولة على مواجهته، وقد ظهر بعد هذه النبوءة بسنوات الملك (غورش) ملك الفرس المذكور، فوحد (ميديا وفارى) وأَنشأ منهما سلطنةً عظيمة، وهاجم بابل واستولى عليها، وجاء عنه في سفر (أشعياء) ما خلاصته أن الله أخذ بيده اليمنى ليتم مرضاته وليجعل الأمم في حوزته، وينزع القوة من سواعد الملوك، ويفتح له الأبواب تلو الأبواب، ويمنحه الخزائن المدفونة (٢).

وتسميته ذا القرنين على أنه الإسكندر المقدونى أو أبو كرب اليمنى، لأنه بلغ ناصيتى مشرق الشمس ومغربها، مأخوذ منْ قَرْنِ الشمس بمعنى ناحيتها وقيل: كانت له ضفيرتان من شعر فنسب إليهما - ذكره الثعلبى وغيره - والضفائر قرون الرأس عند العرب، والوجه الأول في علة التسمية أولى بالقبول، فإن وَصْفَ ذى القرنين ذكر على أنه علامة مميزة لهذا الفاتح العظيم، وكونه ذا ضفيرتين من الشعر لا يصلح أن يكون علامة مميزة، لأن إرسال الشعر وتضفيره من العادات القديمة للرجال والنساء جميعًا.

وبعد أن حكينا أظهر الأقوال في شخصيته نقول: إن شخصيته ليست من العقائد، وإِنما ذكرت قصته للوعظ والإرشاد فليكن هو الإسكندر المقدونى أو رجلا حميريًّا من اليمن، أو ملكًا فارسيًا فالقرآن لم يأتنا ليعلمنا تاريخ اليونان أو تاريخ أي الحميريين أو الفارسيين فإن القرآن أعظم من ذلك كله، ولكنهم لما سألوه عن ذى القرنين، أجابهم بما يجمع بين إجمال المطلوب لهم، والدلالة على صدق نبوته والعبرة، حيث أَخبرهم بما لا يعلمه سوى أَهل الكتاب، وبين أن الملك الصالح العالم يؤيده الله تعالى ويُمَكِّنُ له في أَرضه.


(١) انظر الإصحاح الثامن من سفر دانيال.
(٢) أشعيا إصحاح - ٤٥ - وقد جاء في هذا الإصحاح أنه يعيد أسارى وسبايا بنى إسرائيل إلى فلسطين، وكان غورش (كورش) معرفا عند اليهود بذى القرنين، تبعا لرؤيا النبي دانيال المذكورة، ولأنه كان له في عصره تمثالا من الحجر بقدر القامة، وعلى رأسه قرنان مصداقا لهذه الرؤيا، وكانوا يعرفون هذا عن كتبهم وأجدادهم، وقد عثر على هذا التمثال في إيران في القرن التاسع عشر، فلعل اليهود حين سألوا الرسول عن ذى القرنين، كانوا يقصدون (كورش) المذكور، لأنه هو الذي جاء ذكره بهذا العنوان في كتبهم.